للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ. قُلْنَا: قَوْله تَعَالَى ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ دَوَاءٍ يُتَّخَذُ فِيهِ الضُّفْدَعُ»، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ وَالصَّيْدُ الْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ، وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رَوَى مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» قَالَ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ بِالْحَدِيثِ. وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ. النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا» وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَمَيْتَةُ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ لِيَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ لَا مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِي وَأَنْوَاعِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ بِلَا ذَكَاةٍ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ الْجَرَادُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْآخِذُ رَأْسَهُ أَوْ يَشْوِيَهُ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْبَرِّ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ جَزَاءٌ يَلِيقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْقَتْلِ كَمَا فِي سَائِرِهِ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وَسُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ: كُلْهُ كُلَّهُ. وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لِأَنَّا خَصَّصْنَاهُ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الطَّافِي، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ، وَإِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي، وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَقِفُ الْمُبَرِّزُ عَلَيْهَا: مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَمَاتَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا أُبِينَ وَمَا بَقِيَ. لِأَنَّ مَوْتَهُ بِآفَةٍ وَمَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ. وَفِي الْمَوْتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ رِوَايَتَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ لَهُمْ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا بَعْدُ سِوَى دَلِيلِ أَئِمَّتِنَا، مَعَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِاسْتِثْنَاءِ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَالْإِنْسَانِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ أَيْضًا، إذْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَلْزَمُ الْفَصْلُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ لِلْحَدِيثِ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لَا يُفِيدُ مُدَّعَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى إطْلَاقِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَيْضًا لِلسَّمَكِ الطَّافِي وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ جَعْلِهِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ حِلِّ مَيْتَةِ الْبَحْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>