لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ عَنْهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) لِقَوْلِهِ ﵊ " أَلَك بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ " سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فَقْدِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ
. قَالَ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا قُضِيَ بِهَا) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهَا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ) اسْتَحْلَفَهُ (عَلَيْهَا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ.
أَوْ بِمُوجِبِ الدَّعْوَى.
ثُمَّ إنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْقَضَاءِ هَاهُنَا تَوَسُّعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَكَانَ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَقَدْ جَعَلَهَا الْقَاضِي حُجَّةً بِالْقَضَاءِ بِهَا وَأَسْقَطَ جَانِبَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهُ) أَيْ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالْخُرُوجِ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا يُوجِبُهُ الْإِقْرَارُ (وَإِنْ أَنْكَرَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) أَيْ طَلَبَ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ (لِقَوْلِهِ ﵊) أَيْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ لِلْمُدَّعِي (أَلَك الْبَيِّنَةُ؟ فَقَالَ لَا) أَيْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي (فَقَالَ) أَيْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (لَك يَمِينُهُ) أَيْ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (سَأَلَ) أَيْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُدَّعِيَ عَنْ الْبَيِّنَةِ (وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فَقْدِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ) أَيْ فَلَا بُدَّ لِلْقَاضِي مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْبَيِّنَةِ (لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ) أَيْ لِيُمْكِنَ الْقَاضِيَ اسْتِحْلَافُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ فَقْدِ الْبَيِّنَةِ
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا) أَيْ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ (قَضَى بِهَا) أَيْ قَضَى الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ (لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الدَّعْوَى لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ: أَيْ الْبَيِّنَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ يَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَقِيلَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَقَعُ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ كَذَا فِي الْكَافِي (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي خَصْمَهُ عَلَى دَعْوَاهُ (لِمَا رَأَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَك يَمِينُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا (وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ) أَيْ مِنْ طَلَبِ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ خَصْمِهِ (لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي (أَلَا يَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ) أَيْ كَيْفَ أُضِيفَ الْيَمِينُ إلَى الْمُدَّعِي بِحَرْفِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ ﷺ «لَك يَمِينُهُ» وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاخْتِصَاصِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أُضِيفَ بِتَذْكِيرِ الْفِعْلِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْنَدًا إلَى ضَمِيرِ الْيَمِينِ الَّتِي هِيَ مُؤَنَّثٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ.
قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَالْفِقْهُ فِيهِ: أَيْ فِي كَوْنِ الْيَمِينِ حَقَّ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتْوَى حَقَّهُ بِإِنْكَارِهِ فَشُرِعَ الِاسْتِحْلَافُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ يَكُونُ إتْوَاءً بِمُقَابَلَةِ إتْوَاءً، فَإِنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute