قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ لِلشَّاهِدِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَبُولِهِ، كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا.
قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَتْ الْأَمَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا صَغِيرَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَيُّهُمْ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُونَ) لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادَهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ.
الْأَصْلَ فِي تَصَرُّفِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ
(قَوْلُهُ وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي حَقِّ وَلَدِهَا أَوْلَى لِأَنَّ وَلَدَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ: وَأَقُولُ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَاهُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ اهـ.
وَأَنَا أَقُولُ: أَرَى أَنَّ الْحَقَّ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْجَوَازِ هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَبَعْضٌ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إنْ أَرَادَ بِوَجْهِ الْقِيَاسِ هَاهُنَا كَوْنَ الْوَلَدِ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَالْوَلَدِ الَّذِي اشْتَرَتْهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ لَا فِي الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِمَسَائِلِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ خَبَرًا. وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فِي كِتَابَةِ الْأَمَةِ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا مَوْلُودَيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَاهُنَا التَّبَعِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَأَمَّا التَّبَعِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالضَّمِّ إلَيْهَا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَمِثْلُ هَذِهِ التَّبَعِيَّةِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ.
وَقَالَ هَاهُنَا لِأَنَّهَا جُعِلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute