للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجِيرَ وَحْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ.

قَالَ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالْأَجِيرُ الْوَحْدُ لَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ فَتَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَتَى صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ صَحَّ وَيَصِيرُ نَائِبًا مَنَابَهُ فَيَصِيرُ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ قَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ) فَإِنَّهُ يَقْبَلُ أَعْمَالًا كَثِيرَةً رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأَجْرِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ قَضَاءِ حَقِّ الْحِفْظِ فِيهَا فَضَمِنَ حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا، وَلَا يَأْخُذَ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ حُكْمَهُمَا بِالضَّمَانِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ، وَمَا ذَكَرَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَصِّرَ الْأُجَرَاءُ فِي الْحِفْظِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْبَحْثُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ هُنَا حِكْمَةٌ حَكَمَهَا بِضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا هُوَ دَلِيلُ حُكْمِهَا بِذَلِكَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ هُنَا أَيْضًا دَلِيلًا لَا حِكْمَةً لَمْ يَلْزَمْ مَحْذُورٌ قَطُّ، إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا، وَمَا ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ وَلَا تَعَارُضَ، فَلَا مَانِعَ عَنْ كَوْنِ هَذَا وَذَاكَ مَعًا دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>