للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْلَامِ) وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) (بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةٍ الْمَوْتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْسِّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مُضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ فَصَارَ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ

وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُضَارِبِ بَعْدَ مَا اشْتَرَى شَيْئًا كَالْوَكِيلِ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. ثُمَّ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَانْعَزَلَ إِذَا عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ مَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا، كَمَا فِي الْوَكِيلِ إِذَا عَلِمَ بِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا عَادَ الْمُضَارِبُ عَلَى مُضَارَبَتِهِ إِذَا لَحِقَ رَبُّ الْمَالِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا كَالْوَكِيلِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ سَيَأْتِي، انْتَهَى كَلَامُهُ.

يُرِيدُ بِالْجَوَابِ الْآتِي عَنِ الرَّدِّ الْأَوَّلِ مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابِ قُبَيْلَ فَصْلِ الِاخْتِلَافِ مِنْ بَيَانِ الْفِرَقِ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَبِالْجَوَابِ الْآتِي عَنِ الرَّدِّ الثَّانِي مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ بَيَانِ عِلَّةِ عَدَمِ انْعِزَالِ الْمُضَارِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَبِالْجَوَابِ الْآتِي عَنِ الرَّدِّ الثَّالِثِ مَا يَأْتِي فِي الشُّرُوحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ.

أَقُولُ: الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ إِنَّمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَبِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ الرَّدِّ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الْقَدْحُ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ التَّوْكِيلِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمَزْبُورَةِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْمُضَارَبَةِ تَوْكِيلًا حَتَّى يَنْدَفِعَ رَدُّ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ، هَاهُنَا بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ، بَلْ يَظْهَرُ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيَتَأَكَّدُ الرَّدُّ وَالْإِشْكَالُ.

فَإِنْ قُلْتُ: الْمُرَادُ بِمَا فِي الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ جَمِيعِهَا فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ.

قُلْتُ: فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الدَّلِيلُ الْمُدَّعَى؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُضَارَبَةِ تَوْكِيلًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَوْنُهَا تَوْكِيلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهَا تَوْكِيلٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ مَا نَحْنُ فِيهِ.:

فَحِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَ يَكُونَ دَلِيلًا أَصْلًا لِصَيْرُورَتِهِ أَخْفَى مِنَ الْمُدَّعَى وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ الْمُدَّعَى فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْجَهَالَةِ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ). قَالَ الشُّرَّاحُ: هَذَا إِذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا أَمَّا إِذَا عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى مَا كَانَ. أَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغِيبَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ فَلِمَكَانِ حَقِّ الْمَضَارِبِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَاتَ حَقِيقَةً وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَى الْمَبْسُوطِ.

أَقُولُ: فِيهِ إِشْكَالٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ، كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ: كَمَا لَوْ مَاتَ بِحَالِ كَوْنِ الْمَالِ عُرُوضًا فَإِنَّ الْمَضَارِبَ لَا يَنْعَزِلُ حِينَئِذٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ.

وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ عِلَّةُ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى حَالِهِ فِيمَا إِذَا عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ هِيَ مَكَانُ حَقِّ الْمُضَارِبِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْقَى عَلَى حَالِهِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَعُدْ أَيْضًا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>