للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا) لِأَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً، وَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَبَقِيَتِ الْمُضَارَبَةُ. قَالَ (فَإِنْ عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ (وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تُبْتَنَى عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْبَيْعِ. قَالَ (ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ) لِأَنَّ الْعَزْلَ إِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ ضَرُورَةَ مَعْرِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدِ انْدَفَعَتْ حَيْثُ صَارَ نَقْدًا فَيَعْمَلُ الْعَزْلُ (فَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ نَضَّتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إِعْمَالِ عَزْلِهِ إِبْطَالُ حَقِّهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا ضَرُورَةَ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ

تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَمِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ فَرَّقَ فِي بُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا وَبَيْنَ مَا إِذَا عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا سِيَّمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ. أَمَّا ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ إِيَّاهَا: لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ عِنْدَنَا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا كَانَتْ بَلْ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ، فَكَذَا بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ.

وَأَمَّا ظُهُورُهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ فَبَاعَ الْمُضَارِبُ أَوِ اشْتَرَى بِالْمَالِ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَوْقُوفٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَالْتَحَقَ رِدَّتُهُ بِالْعَدَمِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ أَصْلًا، وَكَذَا إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلِحَاقِهِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَصَيْرُورَةِ أَمْوَالِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ، اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ بُطْلَانُ الْمُضَارَبَةِ لَوْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلِحَاقِهِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بُطْلَانُهَا، وَلَوْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِطُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلِحَاقِهِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ: فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ بَعْدَ أَنْ تَعَرَّضَ لِعَوْدِهِ مُسْلِمًا فِيمَا سَبَقَ بُطْلَانُهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ، وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيَجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَلَوِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ عَلَى الْمُضَارِبِ وَالرِّبْحُ لَهُ، وَيُضَمِّنُهُ رَأْسَ الْمَالِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَتَوَقَّفُ وَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالْقَضَاءِ بِاللُّحُوقِ وَلَوْ لَمْ يَرْفَعِ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي حَتَّى عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا جَازِ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَتْ رِدَّتُهُ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَبَطَلَ حُكْمُهَا. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلُحُوقِهِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ بِالِاتِّفَاقِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا) فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا احْتِمَالَانِ عَقْلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنِ ارْتَدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>