بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَرَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِهِ وَصَارَ كَالْعُرُوضِ،
رَبُّ الْمَالِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ اللَّاحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا، أَيْ: هِيَ غَيْرُ بَاطِلَةٍ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَذَا نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مَضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ قَبْلَ لُحُوقِهِ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا، أَيْ: لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، بَلْ يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا.
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شُرِحَ الْوِقَايَةِ؛ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ: وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِحَاقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا، بِخِلَافِ لِحَاقِ الْمَضَارِبِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا؛ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً، اهـ.
وَاقْتَفَى أَثَرَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغَرَرِ وَصَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ نَفْسِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ أَيْضًا؛ حَيْثُ أُضِيفَ فِيهَا الْمَوْتُ الْمُبْطِلُ إِلَى أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا وَاللِّحَاقُ الْمُبْطِلُ إِلَى الْمَالِكِ فَقَطْ فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ لِحَاقَ الْمُضَارِبِ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ.
أَقُولُ: ذَلِكَ الْمَعْنَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي؛ إِذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ. وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا؛ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ بُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ: إِذَا ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ اهـ.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَنَّى يُمْكِنُ تَصَرُّفُ الْمَيِّتِ حَتَّى يُصْبِحَ تَصَرُّفُ الْمَضَارِبِ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ أَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا، عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ إِذَا لَحِقَ الْمُضَارِبُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُضِيَ بِلِحَاقِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُعْتَبَرَاتِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ مَاتَ الْمَضَارِبُ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ فِي الرِّدَّةِ كَوْنُهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَكَذَا إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُضِيَ بِلِحَاقِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ مَعَ اللِّحَاقِ وَالْحُكْمِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ فِي بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ، اهـ.
فَالْحَقُّ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِهِ: "وَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ؛ إِذْ لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ التَّوَقُّفِ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ، وَالتَّوَقُّفُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ اللِّحَاقِ لَا بَعْدَهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَاهُنَا أَيْضًا مَا يَكُونُ قَبْلَ اللِّحَاقِ لِئَلَّا يَلْغُوَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّعْلِيلِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ زِيَادَةُ الشُّرَّاحِ قَيْدَ فِي قَوْلِهِمْ: جَمِيعًا، بَعْدَ قَوْلِهِ: فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا؛ حَيْثُ قَالُوا: فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا، فِي قَوْلِهِمْ: جَمِيعًا؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ زِيَادَةَ هَذَا الْقَيْدِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى تَحَقُّقِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا فِيمَا إِذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُرْتَدَّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَعْدَ اللُّحُوقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ قَبْلَ اللُّحُوقِ؛ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مَضَارِبِهِ عِنْدَ أبي حنيفة وَلَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا، بَلْ يَنْفُذُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوِفَاقِ فِي بَقَاءِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى حَالِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ هُوَ الْوِفَاقُ فِيهِ قَبْلَ اللُّحُوقِ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ ذَلِكَ الْقَيْدِ تَدَبَّرْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute