للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " أَوْ قَالَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جِوَارِهِ وَالثَّانِيَ تَعَجُّبٌ مِنْهُ لِقَصْدِ إضْرَارِهِ، وَالثَّالِثَ لِافْتِتَاحِ كَلَامِهِ فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَيَرْغَبُ عَنْ مُجَاوَرَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدُ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ إشَارَةً إلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ.

وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَبْت الشُّفْعَةَ أَوْ أَطْلُبُهَا أَوْ أَنَا طَالِبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى، وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعُ بَيْعَ الدَّارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ حَتَّى

لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ عَمَّنْ لَمْ يُوَاثِبْهَا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً لَنَا؟ وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى أَنَّ لَامَ الْجِنْسِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَامَ الِاخْتِصَاصِ فِي «لِمَنْ وَاثَبَهَا» تَدُلَّانِ عَلَى اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِمَنْ وَاثَبَهَا، كَمَا قَالُوا فِي ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أَنَّ لَامَيْ الْجِنْسِ وَالِاخْتِصَاصِ دَلَّتَا عَلَى الْحَمْدِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا النَّقْضَ بِقَوْلِهِ «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» كَمَا ذَكَرَ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدُلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ عَمَّنْ لَيْسَ بِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ عِنْدَنَا لِغَيْرِ الشَّرِيكِ أَيْضًا كَالْجَارِ الْمُلَاصِقِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ، طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرْطُ هَذَا الطَّلَبِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ وَغَيْرُ رَاضٍ بِجِوَارِ هَذَا الدَّخِيلِ وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ اهـ.

وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَعَدَّهُ تَحْقِيقًا حَيْثُ قَالَ: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ أَيْضًا لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ بَلْ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ طَلَبُ الْخُصُومَةِ مَعَ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ لَازِمٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ فِيمَا بَعْدُ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَجْهُ الَّذِي عَدَّهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَحْقِيقًا مَنْقُوضًا بِلُزُومِ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَمَا تَرَى. فَإِنْ قُلْتَ لُزُومُ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلَ الْبَابِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي بَيَانِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْتُ: ذَاكَ إنَّمَا يَكُونُ وَجْهًا لِلُزُومِ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ، وَهُوَ لَا يَدْفَعُ انْتِقَاضَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِلُزُومِهِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَكَلَامُنَا فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْضًا كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي كَأَنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْخَصْمُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ فَكَذَا الْحَالُ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَيْضًا، ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ لُزُومَ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الثَّانِي طَلَبَ الْإِشْهَادِ لَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ بَلْ لِيُمْكِنَهُ إثْبَاتُ الطَّلَبِ عِنْدَ جُحُودِ الْخَصْمِ اهـ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ أَيْضًا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ كَمَا فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَبِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>