وَهَذَا بَيَانُ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَتْلِ. وَلَوْ قَالَ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَخْبَرْتُ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ بَانَتْ مِنْهُ حُكْمًا لَا دِيَانَةً. لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ هَذَا الطَّائِعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالٍ الْخَبَرُ عَمَّيْ مَضَى بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً، لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكُفْرِ هَازِلٌ بِهِ حَيْثُ عَلِمَ لِنَفْسِهِ مَخْلَصًا غَيْرَهُ.
وَعَلَى هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلصَّلِيبِ وَسَبِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ ﵊ فَفَعَلَ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُحَمَّدٍ آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ ﵊ بَانَتْ مِنْهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ صَلَّى لِلصَّلِيبِ وَسَبَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ ﵊ وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَبِّ غَيْرِ
مَعَ تَمْشِيَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا، بَلْ تَمْشِيَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي أَظْهَرُ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا كَانَ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ آتِيًا بِأَحَدِ رُكْنَيْهِ فَيَظْهَرُ وَجْهُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْإِسْلَامِ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ حَكَمْنَا بِوُجُودِ الْإِسْلَامِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقَ وَكَانَ الْإِقْرَارُ شَرْطًا لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ شَيْءٌ مِنْ رُكْنَيْ الْإِيمَانِ فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُتَحَقِّقُ فِيهِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، فَوَجْهُ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ مَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِهِ لَا يَظْهَرُ ظُهُورَهُ فِي الْأَوَّلِ.
لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَتَمَشَّى مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الرِّدَّةِ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي الْإِقْرَارُ إذْ ذَاكَ، وَانْتِفَاءُ رُكْنٍ وَاحِدٍ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْكُلِّ لَا مَحَالَةَ.
لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ رُكْنٌ مِنْ الْإِيمَانِ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ مِنْهُ كَالتَّصْدِيقِ، بَلْ قَالَ: إنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ وَالتَّصْدِيقُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ، وَفَسَّرَ مَعْنَى كَوْنِهِ رُكْنًا زَائِدًا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ فِي وُجُودِ الْمُرَكَّبِ، لَكِنْ إنْ عُدِمَ بِنَاءً عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute