مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يُضَمِّنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيمَا فَعَلَ دَلَالَةً، فَإِذَا كَانَا قَدْ أَكَلَا ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِنْ، تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ
وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ
(وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ،
مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْجِرَابِ وَالْمُنْخُلِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، فَكَانَ الْمُبْدَلُ قَائِمًا مَعْنًى وَكَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الْجِلْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْدِ فَلَا يَكُونُ الْجِلْدُ قَائِمًا مَعْنًى انْتَهَى
(قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا، فَلَوْ كَانَ غَيْرُهَا أَنْقَضَ مِنْ الْأُولَى تَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا كُلِّهِ انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ تَكَلَّمُوا فِي بَيَانِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ جِدًّا حَيْثُ جَعَلُوهُ صُورَتَيْنِ، فَزَادُوا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى اشْتَرَى غَيْرَهَا بِثَمَنِهَا، وَاعْتَبَرُوا التَّصَدُّقَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فِي بَعْضِ الثَّمَنِ دُونِ كُلِّهِ، وَزَادُوا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مَضَى أَيَّامُ النَّحْرِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الْمَقَامِ مَا يَقْتَضِي شَيْئًا مِنْهَا كَمَا لَا يَخْفَى، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى طَرَفِ التَّمَامِ بِحَمْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ لَحْمَ أُضْحِيَّتِهِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ تَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ. وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تَشَاحَّا: يَعْنِي إنْ تَشَاحَّا عَنْ التَّحْلِيلِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ، وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ انْتَهَى، أَقُولُ لَيْسَ هَذَا التَّوْجِيهُ بِوَجِيهٍ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ مَسْأَلَةٌ تَامَّةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ مُغَايِرٍ لَهَا، وَفِي التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ قَدْ أَخَذَ مُقَدَّمَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا وَضُمَّ إلَيْهِ تَالٍ مُغَايِرٌ لِتَالِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ أَصْلًا، فَصَارَ إنْ تَشَاحَّا عَنْ التَّحْلِيلِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ صُغْرَى الدَّلِيلِ وَجَعَلَ كُبْرَاهُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ. فَمَا قَبْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّغْرَى وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكُبْرَى، وَمَجْمُوعُهُمَا دَلِيلٌ تَامٌّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ فَمَعْنَى الدَّلِيلِ أَنَّ تَضْحِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا وَقَعَتْ مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ الَّذِي أَتْلَفَهُ بِالْأَكْلِ لِصَاحِبِهِ لَا لِنَفْسِهِ. وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَضْمِينِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute