مُعْتَمِدًا فِيهِ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ﵁ سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁
أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالرُّكْبَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ بِالْعَطْفِ عَلَى أَبِي عِصْمَةَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ عِنْدَهُمَا كَأَنَّهُ وَقَعَ سَهْوًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْلِيلِ أَبِي عِصْمَةَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ بِقَوْلِهِ إنَّهَا أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ عَوْرَةً كَالرُّكْبَةِ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ لِمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقُولُ بِكَوْنِ الرُّكْبَةِ عَوْرَةً. وَالثَّانِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّلَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا حَدٌّ لِلْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ اهـ.
وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ عَطْفُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَبِي عِصْمَةَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ، وَهَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُعَلِّلْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَذْهَبَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُمَا وَاحِدًا وَالْمَأْخَذُ مُتَعَدِّدًا، فَالْمَذْكُورُ يَكُونُ تَعْلِيلًا لِأَبِي عِصْمَةَ، وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ السُّرَّةَ مَحَلُّ الِاشْتِهَاءِ انْتَهَى.
أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْعَطْفِ الْمَزْبُورِ وَجْهَيْنِ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَحَدَ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ وَأَجَابَ عَنْهُ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ أَصْلًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِالْجَوَابِ عَنْهُ فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الْعَطْفِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ. فَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الْقَاطِعِ لِعِرْقِ الْإِشْكَالِ: إنَّ فِي السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ: إحْدَاهَا أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي وَجِيزِ الشَّافِعِيَّةِ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هَاتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَقَالَ: لِلْأُولَى مِنْهُمَا. وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ هَذَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ فِي إثْبَاتِ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا حَدٌّ لِلْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاكَهُ مَعَ أَبِي عِصْمَةَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْوَاقِعِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْهُ، بَلْ لَا يُنَافِي أَيْضًا اشْتِرَاكَهُ مَعَهُ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ عَوْرَةً كَالرُّكْبَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْعَطْفِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا تَأَمَّلْ تَقِفْ.
(قَوْلُهُ وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ﵄ سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ﵄ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْت فِدَاءَك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُهُ، قَالَ: فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ. وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ لَمَا كَشَفَهَا. قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ بَيَانِ هَذَا الْمَحَلِّ بِهَذَا الْمِنْوَالِ: وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ خِلَافُ هَذَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ﵃ فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ ثَوْبَك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُ، فَرَفَعَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute