للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ.

قَالَ (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ، وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ، بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ

مَرَّ أَنَّ وَجْهَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِمَا إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّهُمَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ فَلَمْ يَسْتَوِ النَّظَرُ وَالْمَسُّ فِيهَا.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ مَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَارَّةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ قَالَ «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا مِنْ حَدِيثِ الِاسْتِوَاءِ مُقْتَضًى الْقِيَاسَ، وَمَا مَرَّ مُوجِبٌ النَّصَّ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ عَكْسُ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ. إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ فَإِنَّهُ الصَّالِحُ لَأَنْ يُعْنَوْنَ بِمَا نَحْنُ فِيهِ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ هُنَا لَيْسَ بِعَكْسِ ذَاكَ. وَإِنَّمَا هَذَا عَكْسُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدُ أَقْسَامَ ذَلِكَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَلْ أَدْخَلَ فِي خِلَالِهَا الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأُخَرَ مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ كَمَا سَتُحِيطُ بِهِ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ فَارِغًا عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْقِسْمِ بِالْكُلِّيَّةِ. بَلْ كَانَ فِي عُهْدَتِهِ الْآنَ بَيَانُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ جَازَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ بِالْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَبْعَدًا عِنْدَ مَنْ لَهُ سَلَامَةُ الْفِطْرَةِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ طَعَنَ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ نَكَرَ الرَّجُلُ الثَّانِي كَانَ أَوْلَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ حَالِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا لَا بَيَانُ بَعْضٍ مَنْ أَفْرَادِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَرَّفَ الرَّجُلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَعًا تَعْرِيفَ الْجِنْسِ لَا أَنْ يُنَكَّرَ الثَّانِي وَلَا الْأَوَّلُ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ. أَقُولُ: بَلْ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْهُ كَمَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُولِي النُّهَى، وَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَدْ اُبْتُلِيَ بِمِثْلَيْهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا عَرَفْته وَأَصَرَّ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ زَلَّتِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَالتَّسَامُحُ فِي رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فَصَدَرَ مِنْ نَفْسِهِ مَا هُوَ أَشَدُّ قُبْحًا مِنْهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ) يَعْنِي لَا تَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي: حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهَا النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: يَعْنِي لَا تَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى. أَقُولُ: ذِكْرُ الْفَخِذِ هَاهُنَا مُسْتَدْرَكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>