للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» أَفَادَ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى، وَدَلَّ عَلَى السَّبَبِ فِي الْمَسْبِيَّةِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ،

عِدَّتُهَا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَسَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرُوا فِي حِيلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْكِ الصُّوَرِ دَاخِلَةٌ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَرَى. فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْيِيدَهَا بِمَا يُخْرِجُ تِلْكَ الصُّوَرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِي الْحَصْرِ كَلَامٌ، فَإِنَّ السَّبْيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا وُجِدَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُمَلَّكَ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ يُسْتَبْرَأُ صِيَانَةً لِمَائِهِ ثُمَّ يُبَاشِرُ السَّبَبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَاءَ الْمُمَلَّكِ حِينَئِذٍ انْتَهَى.

أَقُولُ: كَلَامُهُ سَاقِطٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ مَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ فِي اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، فَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ أَيْ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ هُوَ الْمَوْجُودُ الصَّالِحُ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَالْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِيهِ هُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلٍ فِيهِ لِلسَّبْيِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَبَيَانِ عِلَّتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ قَدْ تَكَفَّلَ بِبَيَانِ عَدَمِ مَدْخَلِيَّةِ السَّبْيِ فِي السَّبَبِيَّةِ بِأَوْضَحِ وَجْهٍ حَيْثُ قَالَ لَا يُقَالُ الْمُوجِبُ كَوْنُهَا مَسْبِيَّةً لِأَنَّ كَوْنَهَا مَسْبِيَّةٍ إضَافَةٌ وَالْإِضَافَاتُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ انْسَدَّ بَابُ الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ مَفْتُوحٌ بِالنُّصُوصِ، فَلَمْ يَبْقَ هَاهُنَا إلَّا كَوْنُهَا مَمْلُوكَةٍ رَقَبَةً وَيَدًا وَهُوَ الْمُؤْثَرُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى.

ثُمَّ إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْقَائِلِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُمَلَّكَ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ يَسْتَبْرِئُ صِيَانَةً لِمَائِهِ ثُمَّ يُبَاشِرُ السَّبَبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَاءِ الْمُمَلَّكِ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ أَيْضًا، فَإِنَّ عِلَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ هِيَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. فَمِنْ أَيْنَ كَانَ اسْتِبْرَاءُ الْمُمَلَّكِ قَبْلَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ ظَاهِرًا. وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ مِنْ صِيَانَةِ مَائِهِ، فَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُمَلَّكِ. بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ شَغْلِ الرَّحِمِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ فَإِنَّ مُجَرَّدَ تَوَهُّمِهِ كَافٍ فِي وُجُوبِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ الْبَيَانِ الْآتِي فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ انْعِلَاقَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْ مَاءَيْنِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَكَيْفَ بَنَوْا هَاهُنَا حِكْمَةَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى جَوَازِهِ انْتَهَى؟ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِلَاطِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِمْ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ الْحَقِيقِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الِاخْتِلَاطُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>