(مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ)
قَالَ (وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ وَالنَّقْطُ فِي الْمُصْحَفِ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ. وَيُرْوَى: جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ. وَفِي التَّعْشِيرِ وَالنَّقْطِ تَرْكُ التَّجْرِيدِ. وَلِأَنَّ التَّعْشِيرَ يُخِلُّ بِحِفْظِ الْآيِ وَالنَّقْطُ بِحِفْظِ الْإِعْرَابِ اتِّكَالًا عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ. قَالُوا: فِي زَمَانِنَا لَا بُدَّ لِلْعَجَمِ مِنْ دَلَالَةٍ. فَتَرْكُ ذَلِكَ إخْلَالٌ بِالْحِفْظِ وَهِجْرَانٌ لِلْقُرْآنِ فَيَكُونُ حَسَنًا قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ. وَصَارَ كَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ ذَلِكَ: وَقَالَ
جَرَيَانِ الْإِرْثِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ دُونَ الْأَرَاضِيِ؛ أَلَّا يَرَى إلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ الْأَرَاضِي مَوْقُوفَةً وَالْأَبْنِيَةُ عَلَيْهَا مَمْلُوكَةً اهـ.
أَقُولُ: بَلْ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ أَيْضًا قَطْعًا. إذْ قَدْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» وَالرِّبَاعُ جَمْعُ رَبْعٍ وَهُوَ الدَّارُ بِعَيْنِهَا حَيْثُ كَانَتْ وَالْمَحَلَّةُ وَالْمَنْزِلُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ وَالْمَنْزِلِ اسْمٌ لِمَا يَشْمَلُ الْبِنَاءَ وَالْعَرْصَةَ الَّتِي هِيَ الْأَرْضُ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﵊ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ» وَإِذَا كَانَ وَجْهُ عَدَمِ تَرْكِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتِيلَاءٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِي طَالِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ دَلَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قَطْعًا عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ أَيْضًا، إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ بُيُوتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَرَى، بَلْ لَا مَجَالَ أَصْلًا لَأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، إذَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَمَّ جَوَابًا عَنْ «قَوْلِ أُسَامَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْزِلْ فِي دَارِك بِمَكَّةَ»، فَإِنَّ عَدَمَ تَرْكِ عَقِيلٍ بَيْتًا بِاسْتِيلَائِهِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ وَحْدَهَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَرْكِهِ أَرْضًا أَيْضًا حَتَّى لَا يُمْكِنَ النُّزُولُ فِي عَرْصَةِ دَارِهِ أَيْضًا، وَهَذَا مَعَ وُضُوحِهِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: الرِّبَاعُ جَمْعُ رَبْعٍ وَهُوَ الدَّارُ بِعَيْنِهَا وَالْمَحَلَّةُ وَالْمَنْزِلُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ الْإِرْثِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ دُونَ الْأَرَاضِيِ، وَلَمْ يُلَاحِظْ أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ كَيْفَ يَتِمُّ جَوَابُ النَّبِيِّ ﷺ بِقَوْلِهِ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةٍ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ، وَصَارَ كَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِمَاءِ الذَّهَبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي التَّفْسِيرِ بِهَذَا الْوَجْهِ. أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا صَرِيحًا وَلَا الْتِزَامًا، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلٍ أَوَّلُهُ: وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى مَحَلِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute