للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَقِّهِمْ، وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَادَ يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِهِ».

قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ: أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) وَلِلْمَسْأَلَةِ عِبَارَتَانِ: هَذِهِ، وَمَقْعَدُ الْعِزِّ، وَلَا رَيْبَ فِي كَرَاهَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُعُودِ، وَكَذَا الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ مُحْدَثٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ النَّبِيِّ . رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك؛ وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك، وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ فُلَانٍ أَوْ بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك)؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ.

قَالَ (وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكُلِّ لَهْوٍ)؛ لِأَنَّهُ إنْ قَامَرَ بِهَا فَالْمَيْسِرُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ قِمَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ فَهُوَ عَبَثٌ وَلَهْوٌ. وَقَالَ «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا الثَّلَاثَ: تَأْدِيبُهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتُهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتُهُ مَعَ أَهْلِهِ» وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُبَاحُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ

فَإِنَّ الْمَضْبُوطَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ جَمْعَ خَصِيٍّ هُوَ خُصْيَانٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَخُصْيَةٌ. قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: وَالرَّجُلُ خَصِيٌّ وَالْجَمْعُ خُصْيَانٌ بِالْكَسْرِ وَخُصْيَةٌ انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُ الْخُصْيَانِ بِالضَّمِّ جَمْعُ خَصِيٍّ فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ قَطُّ

(قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ مُحْدَثٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُدُوثَ تَعَلُّقِ صِفَتِهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ حَادِثٍ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ تِلْكَ الصِّفَةِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى ذَلِكَ التَّعَلُّقِ، فَإِنَّ صِفَةَ الْعِزِّ الثَّابِتَةِ لَهُ تَعَالَى أَزَلًا وَأَبَدًا، وَعَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْعَرْشِ الْحَادِثِ مَثَلًا قَبْلَ خَلْقِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ عِزِّهِ وَلَا نُقْصَانًا فِيهِ، كَمَا أَنَّ عَدَمَ تَعَلُّقِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ بِهَذَا الْعَالَمِ الْعَجِيبِ الصُّنْعِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ قُدْرَتِهِ أَوْ نَقْصًا فِيهِ. وَبِالْجُمْلَةِ التَّعَلُّقَاتُ الْحَادِثَةُ مَظَاهِرُ لِلصِّفَاتِ لَا مُبَادَ لَهَا، فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ، وَالْعِزُّ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ حَيْثُ جَعَلَ لُزُومَ كَوْنِ عِزِّهِ حَادِثًا دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الْإِيهَامِ فَتَأَمَّلْ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَإِنْ جَعَلَ لُزُومَ كَوْنِ عِزِّهِ حَادِثًا دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الْإِيهَامِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَ إيهَامَ أَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ بِتَعَلُّقِهِ بِالْمُحْدَثِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ، وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُحْدَثِ، وَالْعِزُّ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهِ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ انْتَهَى.

فَكَانَ مَدَارُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا لُزُومُ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْمُحْدَثِ فَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي وُرُودِ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، فَلَا مَعْنًى لِقَوْلِهِ فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ الْقَائِلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْكَافِي لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُحْدَثِ فَكَوْنُ عِلَّةِ قَوْلِهِ: وَإِنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ تَعَلُّقَهُ بِالْمُحْدَثِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، إذْ لَا شَيْءَ يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لَهُ سِوَاهُ، وَعَنْ هَذَا تَرَى كُلَّ مَنْ بَيَّنَ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ فِي الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَشَايِخِنَا جَعَلَ الْمَدَارَ لُزُومَ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ، وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ إذْ تَعَلَّقَ بِالْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنْ صِفَةِ الْحُدُوثِ انْتَهَى.

وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ، وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ إذْ تَعَلَّقَ بِالْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَزِيزٌ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهِ وَلَا يُزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ انْتَهَى. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ الْعِظَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا هَرَبُوا عَنْهُ هَاهُنَا لَيْسَ إيهَامُ مُطْلَقِ تَعَلُّقِ عِزِّهِ تَعَالَى بِالْمُحْدَثِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ ظُهُورَ الْمُحْدَثَاتِ كُلِّهَا وَبُرُوزِهَا مِنْ كَتْمِ الْعَدَمِ إلَى دَائِرَةِ الْوُجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>