بِإِبَاحَتِهِ الْحَدِيثَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمُحَرَّمُ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي) «؛ لِأَنَّهُ ﵊ بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ وَفَرَضَ لَهُ، وَبَعَثَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ وَفَرَضَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِمْ وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ كِفَايَةً، فَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الطَّاعَةِ، إذْ الْقَضَاءُ طَاعَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُهَا، ثُمَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ فَقِيرًا: فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ فَرْضِ الْقَضَاءِ إلَّا بِهِ، إذْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يُقْعِدُهُ عَنْ إقَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَلَى مَا قِيلَ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ الْأَخْذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ وَنَظَرًا لِمَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا يَتَعَذَّرُ إعَادَتُهُ ثُمَّ تَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِإِعْطَائِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ، وَفِي زَمَانِنَا الْخَرَاجُ يُؤْخَذُ فِي آخَرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْخَرَاجِ خَرَاجُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ اسْتَوْفَى رِزْقَ سَنَةٍ وَعُزِلَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا، قِيلَ هُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ مَعْرُوفٍ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا
فِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ قَبْضِ الْمُلْتَقِطِ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ لِلَّقِيطِ الَّذِي فِي يَدِهِ لِتَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ وَسَائِرِ مَنْ يَعُولُهَا فِي جَوَازِ قَبْضِ الْهِبَةِ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الْأَبِ كَمَا مَرَّ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مُتَّصِلًا بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدُوا بِهَا حَيْثُ قَالَ: وَفِيمَا وُهِبَ لِلصَّغِيرَةِ يَجُوزُ قَبْضُ زَوْجِهَا لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ لِتَفْوِيضِ الْأَبِ أُمُورَهَا إلَيْهِ دَلَالَةً. بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزِّفَافِ وَيَمْلِكُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرُهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَمَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ لَا ضَرُورَةَ انْتَهَى تَأَمَّلْ تُرْشَدْ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَوْلُهُ لَا أَبَ لَهُ: أَيْ لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ لَا أَنْ لَا يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ فَإِنَّ اللَّقِيطَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الشَّرْعِ مَوْلُودٌ طَرَحَهُ أَهْلُهُ فِي الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ، فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي صَغِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ هِيَ عِنْدَهُ يَعُولُهَا، وَلَهَا أَبٌ فَوَهَبَ لَهَا أَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ أَوْ قَبَضَ لَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ صِحَّةُ قَبْضِ الزَّوْجِ لَهَا بِقِيَامِ الْأَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي اللَّقِيطِ لَا فِي الصِّغَارِ مُطْلَقًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ مَدَارَهُ الْغُفُولُ عَمَّا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَجَازَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ أَبٌ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَهُمْ أَبٌ فَيَتَمَشَّى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ جَوَازِ قَبْضِ الزَّوْجِ لَهُ بِقِيَامِ الْأَبِ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُزَوَّجَةً، وَكَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا يَعُولُهَا، فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ وَجْهِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute