الْغَنَائِمِ. وَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَاءِ. فَلَوْ أَحْيَاهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا فَزَرَعَهَا غَيْرُهُ فَقَدْ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا لَا رَقَبَتَهَا، فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِعُهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، إذْ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَمِلْكُهُ لَا يَزُولُ بِالتَّرْكِ. وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ طَرِيقَ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ لِتَعَيُّنِهَا لِتَطَرُّقِهِ وَقَصَدَ الرَّابِعُ إبْطَالَ حَقِّهِ.
قَالَ (وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ)؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ إذْنُ الْإِمَامِ مِنْ شَرْطِهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ حَتَّى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَصْلِنَا
وَالْحَشِيشُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ أَوْلَوِيَّةُ الْعَمَلِ بِمَا رَوَيَاهُ، إذْ يَصِيرُ الْعَامُّ حِينَئِذٍ مَنْسُوخًا فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْخَاصُّ وَيَصِيرُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي كَسَائِرِ الْقَطْعِيَّاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَخْصِيصَ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ مِمَّا رَوَاهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهِ، بَلْ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ آخَرُ مَفْصُولٌ عَنْهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ الْإِمَامَانِ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، فَبِنَاءُ الْجَوَابِ عَلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ لَوْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْغَنَائِمِ إلَخْ. قُلْنَا: كَوْنُهَا مِنْ الْغَنَائِمِ دَلِيلٌ آخَرُ عَقْلِيٌّ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ بَعْدَهُ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي تَمْشِيَةِ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ، فَبِالْمَصِيرِ إلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ هُنَا يَلْزَمُ خَلْطُ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مُسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ دُونَ الذِّمِّيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِعُهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، إذْ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَمِلْكُهُ لَا يَزُولُ بِالتَّرْكِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا صَحِيحٌ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى كَوْنِهِ إذْنًا لَا شَرْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إذْنًا لَكِنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ كَانَ شَرْعًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ مَلَكَ سَلْبَ مَنْ قَتَلَهُ انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ التَّمْلِيكِ فِي لَفْظِ الْإِمَامِ هُنَا، بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ لَامَ التَّمْلِيكِ مَذْكُورَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ، فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحْمُولًا عَلَى الْإِذْنِ فَجَعْلُ وُجُودِ لَفْظِ التَّمْلِيكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute