للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ

وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ؟ قِيلَ لَا يُحَدُّ

وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ

قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا

وَقِيلَ: إنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ لَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِلَحْمِهِ؛ إذْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ

قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ لِمَا فِي إبَاحَتِهِ مِنْ قَطْعِ مَادَّةِ الْجِهَادِ أَوْ لِاحْتِرَامِهِ فَلَا يُتَعَدَّى إلَى لَبَنِهِ

قَالَ (وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ حَلَالٌ

فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ مَنْظُورٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَنْ لَا يَدْعُوَ قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مِمَّا يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ بِلَا اخْتِلَافٍ، مَعَ أَنَّ قَلِيلَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ

وَالْأَظْهَرُ فِي التَّعْلِيلِ هَا هُنَا مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ حَالَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ

فَإِنَّ نَقِيعَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ اُتُّخِذَ مِمَّا هُوَ أَصْلٌ لِلْخَمْرِ شَرْعًا، فَإِنَّ أَصْلَ الْخَمْرِ شَرْعًا التَّمْرُ وَالْعِنَبُ عَلَى مَا قَالَ النَّبِيُّ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَقَدْ شَرَطَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فِي نَقِيعِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ لِيَظْهَرَ نُقْصَانُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ؟ قِيلَ: لَا يُحَدُّ) أَقُولُ: قَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً أَثْنَاءَ بَيَانِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالذُّرَةِ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ سَكِرَ فَالتَّعَرُّضُ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى يُشْبِهُ التَّكْرَارَ

فَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ هَا هُنَا ذِكْرُ قَوْلِهِ قَالُوا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَمَا قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لَهُ

نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ ذَكَرَ أَيْضًا هُنَاكَ قَوْلَهُ قَالُوا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ الْإِعَادَةِ هَا هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ

وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ لَيْسَتْ بِمُتَّخَذَةٍ مِمَّا هُوَ أَصْلُ الْخَمْرِ فَلَا جَرَمَ لَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ مِنْهَا انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَ أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ، وَمَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ اهـ

وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ أَوَّلًا

وَنَقَلَ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا بِقِيلَ، ثُمَّ نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ أَقُولُ يُرَدُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَ دُعَاءِ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ جَازَ فِيمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ انْتَهَى مَعَ أَنَّهُ إذَا سَكِرَ مِمَّا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ

فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ دُعَاءِ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ السَّكْرَانِ، وَيُرَدُّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» لَقَالَ لِمَا رَوَيْنَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ الْمُسْتَمِرَّةُ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ إنَّ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُسْتَفَادًا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ خَفَاءً جِدًّا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا هُنَاكَ، فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ، فَالْأَوْجَهُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي الذِّكْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ فِي سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَرَاجَعَ كَلِمَاتِ السَّلَفِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ) أَقُولُ: تَحْرِيرُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا لَا يَخْلُو عَنْ رَكَاكَةٍ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>