وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِكَالَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَوَّلًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ جَوَازُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوَكِّلُهُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، سِوَى أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُوَكِّلِ، فَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعِي هُوَ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ مُوَكِّلَهُ قَبَضَ هَذَا الْمَالَ وَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى مُوَكِّلِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
وَخُلَاصَةُ هَذَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِيَ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، أَوْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ (وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) أَيْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا) وَقَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ جَازَ وَبِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فَتَأَمَّلْ (إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِكَالَةِ) فَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ. وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيُّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَبْطُلُ الْوِكَالَةُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ)
أَيْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ﵏ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ مُقْتَضَاهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ) أَيْ الْخُصُومَةُ (مُنَازَعَةٌ) وَمُشَاجَرَةٌ (وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ) أَيْ يُضَادُّ الْخُصُومَةَ الَّتِي هِيَ مُنَازَعَةٌ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِتَأْوِيلِ مَا أَمَرَ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (مُسَالَمَةٌ) وَمُسَاعَدَةٌ (وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ، وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ عَدَمِ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ ضِدَّ ذَلِكَ الشَّيْءِ (لَا يَمْلِكُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ (الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ) وَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا يُضَادُّ الْخُصُومَةَ (وَيَصِحُّ) أَيْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ (إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ) بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزٍ الْإِقْرَارُ، أَوْ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُقِرَّ عَلَيَّ.
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلُ مَنْ يَقُولُ إنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ، فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ هُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَوْ كَانَ مَجَازًا لِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute