الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ ﵁، وَلِأَنَّ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِي آلَةٌ، وَالذَّبْحُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْآلَةِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ فِيهِمَا بِالْإِرْسَالِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ
وَلَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُرْمَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي الذَّبَائِحِ
وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِيَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيُّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فِي الْبَدَنِ بِانْتِسَابِ مَا وُجِدَ مِنْ الْآلَةِ إلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ
وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبُ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ وَلَا تَنَافِيَ، وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ
جِنْسًا وَاحِدًا وَكَانَ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا فِي الصَّيْدِ أَلُوفًا مَعَ أَنَّ فِي طَبْعِ غَيْرِهِ الْإِلْفَ أَيْضًا عَلَى مَا تَرَاهُ فِي الذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَغَيْرِهِمَا إذَا رُبِّيَ مِنْ صِغَرِهِ فِي الْبَيْتِ، بِخِلَافِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ جُعِلَ الْكُلُّ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي التَّعْلِيمِ: يَعْنِي أُدِيرَ حُكْمُ التَّعْلِيمِ عَلَى جِنْسِ الْكَلْبِ تَيْسِيرًا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِسَدِيدٍ؛ إذْ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَهْدَ وَالنَّمِرَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِلْفُ بَلْ هُمَا مُتَوَحِّشَانِ كَالْبَازِي لَا يَكُونُ جَعْلُ أَنْوَاعِ الْكَلْبِ كُلِّهَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَإِدَارَةُ حُكْمِ التَّعْلِيلِ عَلَى جِنْسِ الْكَلْبِ مِنْ بَابِ التَّيْسِيرِ بَلْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعْسِيرِ وَالتَّشْدِيدِ، بَلْ يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ أَنْ يُحْمَلَ الْمُتَوَحِّشُ عَلَى الْأَلُوفِ، وَهُوَ غَيْرُ مُيَسَّرٍ لَا مَحَالَةَ
ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ قَالَ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَدَّ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ، وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ تَحَمُّلَ بَدَنِ الْفَهْدِ لِلضَّرْبِ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي حَقِّ تَعْلِيمِهِ، وَقَدْ كَانَ مَدَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ أَنَّ بَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ وَبَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُهُ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ بَدَنِ الْكَلْبِ الضَّرْبَ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى فِي حَقِّ الْفَهْدِ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي حَقِّ تَعْلِيمِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ وَلَا تَنَافِي وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إذَا وَرَدَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يُثْبِتُ أَحَدَهُمَا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute