ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ)؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ، وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ
وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ صَاحِبُهُ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا
هُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ
وَاضِحٌ لَهُمَا
أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارِضُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحِينَ أَكَلَ مِنْهُ دَلَّ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ ﵊ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ «فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ
أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ مَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إبَاحَةِ أَكْلِ مَا أَكَلَ مِنْهُ إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا كَالْعُرْفِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّعَارُضُ بَيْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يُتْرَكَ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ
لَا يُقَالُ: يَحْصُلُ بِهَذَا الْجَوَابِ إلْزَامُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَحْصُلُ إلْزَامُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ يَكُونُ الْمَفْهُومُ حُجَّةً لَا يُنْكِرُ أَنَّ الْمَنْطُوقَ أَقْوَى مِنْهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُكْمُ التَّعَارُضِ عِنْدَهُ أَيْضًا
وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ: حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وَحَدِيثُ عَدِيٍّ مُرَجَّحٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهُ يُحِلُّ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَحَدِيثُ عَدِيٍّ يُحَرِّمُهُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ يُرَجَّحُ عَلَى الْمُحَلَّلِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُجْعَل نَاسِخًا لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ عَدِيٍّ دُونَ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ (قَوْلُهُ وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَرَادَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَهُ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا إلَخْ
أَقُولُ: تَفْسِيرُ مُرَادِ الْمُصَنِّف بِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: يَحِلُّ عِنْدَهُ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا إلَخْ رِوَايَتَيْنِ لَا غَيْرَ: رِوَايَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ حِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ عَدَمُ حِلِّ ذَلِكَ
وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ؟ فَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ هَا هُنَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ شَرَطَ تَرْكَ الْأَكْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الرِّوَايَاتُ وَتَنْتَظِمُ صِيغَةُ الْجَمْعِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ