وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى.
الْكَاكِيُّ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ، وَمَآلُ مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي تَقْرِيرِهِ مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ عَرَفْت حَالَهُمَا (وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ) يَعْنِي الْإِنْكَارَ (إذْ الْعَادَةُ) فِي التَّوْكِيلِ (جَرَتْ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُصُومَةِ (الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى) وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الْهِدَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ، لَيْسَ إيرَادُهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ: يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ اهـ.
وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَكَانَ هَذَا سَهْوَ الْقَلَمِ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَظَنِّي أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ فَكَذَا فِيمَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ عَلَى وَجْهِ النَّتِيجَةِ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الصُّلْحَ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْمُوَكِّلِ الْإِقْرَارَ أَنْتَجَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ لَا بِجَوَابِ هُوَ مُسَالَمَةٌ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَلِأَجْلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ يَخْتَارُ فِي التَّوْكِيلِ بِخُصُومَةٍ الْأَهْدَى فِي الْخُصُومَةِ فَالْأَهْدَى، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ جَمِيعًا، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْخُصُومَةِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ زُفَرُ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْإِقْرَارِ مُضَادَّةٌ، وَلِهَذَا صَرَّحَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ فَأَقَرَّ يَصِحُّ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ، وَقَدْ تَحَيَّرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا لِلِاسْتِشْهَادِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبِيلِ سَهْوِ الْقَلَمِ عَمَّا ظُنَّ أَنَّهُ مُرَادٌ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ذَلِكَ الْإِمَامُ الَّذِي لَنْ تَسْمَحَ بِمِثْلِهِ الْأَدْوَارُ مَا دَارَ الْفَلَكُ الدُّوَّارُ، فَإِنَّ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَمَا ظَنَّهُ مُرَادًا بِذَلِكَ بَوْنًا بَعِيدًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ الْحَمْلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَهْوًا عَنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ إمْكَانِ تَصْحِيحِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ. قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ. قُلْنَا: إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ بِتَصْحِيحِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُرَادُهُ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا أَيْضًا بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ.
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ جَمِيعًا، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْخُصُومَةِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ زُفَرُ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْإِقْرَارِ مُضَادَّةٌ. قُلْنَا: لِزُفَرَ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا أَنَّ الْأَمْرَ يَنْصَرِفُ إلَى جَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ، إذْ الْعَادَةُ فِي التَّوْكِيلِ جَرَتْ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى، وَالْوِكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَصَرَّحَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّفَاقَ جَوَابِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ دَلِيلِهِمَا.
قَوْلُهُ وَلِهَذَا صَرَّحَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ فَأَقَرَّ يَصِحُّ. قُلْنَا: لَا يَدُلُّ مَا صَرَّحَ بِهِ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute