وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ وَقَالَ قَائِلُهُمْ:
وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ … يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا
وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَنْعَطِفُ عَلَى الْأَلْفَاظِ عَلَى وَفْقِ الْأَنْبَاءِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُوصِلَةً إلَيْهِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ، وَلِيَكُونَ
خِلَافُ مَا تَقَرَّرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِخِلَافِ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّهْنَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ وَقَالَ قَائِلُهُمْ:
وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ … يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غُلِقَا)
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قِيلَ الدَّوَامُ إنَّمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا فِكَاكَ لَهُ لَا مِنْ لَفْظِ الرَّهْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ وَتَأَبَّدَ بِنَفْيِ انْفِكَاكٍ دَلَّ أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الدَّوَامِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَلِكَ لَمَا دَامَ بِنَفْيِ مَا يَعْتَرِضُهُ، بَلْ كَانَ الدَّوَامُ يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ مَا يُوجِبُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ اللُّغَةَ تَدُلُّ عَلَى إنْبَاءِ الرَّهْنِ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ انْتَهَى
أَقُولُ: السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي الْأَصْلِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّ الْجَوَابَ لَيْسَ بِتَامٍّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَلِكَ لَمَا دَامَ بِنَفْيِ مَا يَعْتَرِضُهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَا يَعْتَرِضُهُ إذَا كَانَ مُنَاقِضًا لِدَوَامِهِ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ دَوَامُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَا يُوجِبُ دَوَامَهُ نَفْسَهُ أَوْ أَمْرًا خَارِجًا عَنْهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ مَعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِكَاكَ الرَّهْنِ يُنَافِي وَيُنَاقِضُ دَوَامَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَحَقُّقُ دَوَامِهِ وَإِنْ كَانَ دَوَامُهُ مِمَّا لَمْ يُوجِبْهُ نَفْسُهُ بَلْ كَانَ بِسَبَبٍ خَارِجٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute