للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ، وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ

ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ الثَّابِتَةِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ هُنَا فِي حَالَةِ وَاحِدَةٍ إظْهَارُ النُّقْصَانِ رُتْبَتَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْهُونُ يَسْعَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ عَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الِاسْتِرْدَادُ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهِمَا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ

(وَلَوْ) (أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ) بِأَنْ قَالَ (لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ) (تَجِبُ السِّعَايَةُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يُعْتَبَرُ، بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ

وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالٍ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ

قَالَ (وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِهِ (وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِأَدْنَى الْحَقَّيْنِ وَهُوَ مَا لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَصِحُّ بِالْأَعْلَى (وَإِذَا صَحَّا خَرَجَا مِنْ الرَّهْنِ) لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ؛ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا (فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْمُرْتَهِنُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّهُ، وَالْمُحْتَبَسُ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا يُؤَدِّيَانِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى، وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِلْكَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ عَلَى مَا مَرَّ

وَقِيلَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى تُحْبَسَ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرَ وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ لَمْ يَسْعَ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُ، وَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ

وَالْإِعْتَاقُ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا بِدَلِيلِ نَفَاذِ إعْتَاقِ الْآبِقِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُتَوَقَّفُ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ إذْ الْفَاسِدُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ دُونَ الْمَوْقُوفِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَا فَاسِدٌ انْتَهَى

أَقُولُ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ ظَاهِرُ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُتَوَقَّفُ أَنْ لَوْ انْتَفَى الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْمُنْتَفَى فِي بَيْعِ الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءُ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَصْلًا فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ؛ إذْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>