وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا
وَصُوَرُ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَتَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ
(وَلَوْ رَهَنَ شَاةً بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: احْلِبْ الشَّاةَ فَمَا حَلَبَتْ فَهُوَ لَك حَلَالٌ فَحَلَبَ وَشَرِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَمَّا الْإِبَاحَةُ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ؛ لِأَنَّهَا إطْلَاقٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَتَصِحُّ مَعَ الْخَطَرِ (وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ (فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الشَّاةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ وَعَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، فَمَا أَصَابَ الشَّاةَ سَقَطَ، وَمَا أَصَابَ اللَّبَنَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ وَالْفِعْلُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ فَبَقِيَ بِحِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَمَا بَالُ هَذَا تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ؟ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْمَحَلُّ بَاقِيًا، وَهَاهُنَا يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ حُكْمًا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ فَلِذَلِكَ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ انْتَهَى
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَعُودَ وَيَقُولَ: لَوْ كَانَ يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ هَا هُنَا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ هَالِكًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي هَاتِيك الصُّورَةِ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ: إنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّ الْمُنْتَقَضَ لَا يَعُودُ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّبَدُّلُ لَيْسَ بِتَبَدُّلٍ حَقِيقِيٍّ بَلْ هُوَ تَبَدُّلٌ حُكْمِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَاَلَّذِي يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْبَيْعِ هَالِكًا إنَّمَا هُوَ التَّبَدُّلُ الْحَقِيقِيُّ دُونَ الْحُكْمِيِّ
قُلْنَا: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا بَالُ هَذَا التَّبَدُّلِ الْحُكْمِيِّ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ هَالِكًا، وَمَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا
وَبِالْجُمْلَةِ لِلْكَلَامِ مَجَالٌ فِي كُلِّ حَالٍ
وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَآلَ مَا ذَكَرَهُ أَنْ يَكُونَ السَّالِبُ لِقَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ تَبَدُّلُ وَصْفِ الْعَصِيرِيَّةِ إلَى الْخَمْرِيَّةِ مُصَحِّحًا لَهَا
وَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْخَمْرَ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، كَمَا إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَالْعُقُودُ شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ ابْتِدَاءً لِلنَّهْيِ عَنْ الِاقْتِرَابِ وَالِاغْتِرَارِ،