للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَالنَّارِ)؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمِّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ

(وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ الْآيَةَ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ

بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ

فَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْوَالُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إذْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنَايَاتِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا دُونَ أَحْوَالِ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجُهُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ضَرَبَهُ: أَيْ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ، وَقَالَ: فَيَخْرُجُ الْعَمْدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ انْتَهَى

أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأَبَانَ رَأْسَهُ وَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ

وَجْهُ الْوُرُودِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بَلْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ يَدِهِ، مَعَ أَنَّهُ جَعَلَ ضَرْبَهُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حَكَمُ قَتْلِ النَّفْسِ، وَهُوَ الْقَوَدُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمَّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا اسْتَعْمَلَ الْآلَةَ الْقَاتِلَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ؛ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا بِسَهْمٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، وَكَمَا إذَا رَمَى غَرَضًا بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الَّذِي جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى الْقَصْدِ قَدْ تَحَقَّقَ هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ قَاطِبَةً

فَإِنْ قُلْتَ: الْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَا اسْتِعْمَالُهَا مُطْلَقًا فَفِيمَا إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْآدَمِيِّ بَلْ كَانَ لِغَرَضٍ آخَرَ

قُلْتُ: هَذَا التَّأْوِيلُ إنَّمَا يُفِيدُ فِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ دُونَ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ أَيْضًا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَكِنَّ الْخَطَأَ فِي وَصْفِ الْمَقْتُولِ

فَإِنْ قُلْتَ: الْمُرَادُ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ مِنْ حَيْثُ هُوَ آدَمِيٌّ لَا اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِهِ مُطْلَقًا، وَفِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قُلْتُ: كَوْنُ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَمْرٌ مُضْمَرٌ رَاجِعٌ إلَى النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَمْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ خَارِجِيٍّ لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ

ثُمَّ إنَّهُ لَوْ كَانَ مَدَارُ كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا مُجَرَّدَ اسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ: الْقَتْلُ الْعَمْدُ ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَسِلَاحٍ وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ لِيطَةٍ أَوْ نَارٍ وَجْهٌ؛ إذْ يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَكُونَ قَيَّدَ قَصْدًا زَائِدًا بَلْ لَغْوًا لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ بِالْغَرَضِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ وَهُوَ ضَرْبُهُ مِمَّا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ فَيَكْفِي ذِكْرُهُ، بَلْ لَمَّا كَانَ لِقَيْدِ تَعَمَّدَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ وَجْهٌ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَالْعَمْدُ مَا ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ الْآيَةَ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الدَّلِيلُ خَاصٌّ وَالْمُدَّعِي عَامٌّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>