للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، حَتَّى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ، وَإِذَا ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِسْقَاطِ عَفْوًا وَصُلْحًا وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ رَجُلَيْنِ وَعَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ قِصَاصَانِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ وَهَاهُنَا وَاحِدٌ لِاتِّحَادِهِمَا، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا لِأَنَّهُ امْتَنَعَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْقَاتِلِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ، ثُمَّ يَجِبُ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَعَفَا أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ خَطَأً.

الدَّلِيلَ لَا يُفِيدُ تَمَامَ الْمُدَّعِي هَاهُنَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالزَّوْجِيَّةِ فِي حَقِّ الدِّيَةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ، وَالْعُمْدَةِ هَاهُنَا هُوَ الثَّانِي، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآخِرَ اسْتِطْرَادًا كَمَا تَرَى.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، حَتَّى أَنْ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ) أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ وَإِنْ كَانَ يَتَمَشَّى فِي الْقِصَاصِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى فِيهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ عِنْدَهُمَا كَالدَّيْنِ وَالدِّيَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَطَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخِلَافَةِ دُونَ الْوِرَاثَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِهِ إنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعِي هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الدِّيَةُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا قَاطِبَةً فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْلِيلُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِالْمُخْتَلِفِ فِيهِ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَتِمَّتِهِ: حَتَّى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِ الْإِرْثِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْمَقْتُولِ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ هُنَاكَ يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِلْمُوَرِّثِ الْغَيْرِ الْمَقْتُولِ قَبْلَ مَوْتِهِ وِرَاثَةً مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَهُمَا وَخِلَافَةً عَنْهُ لَا وِرَاثَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ عِنْدَهُ، بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ ابْتِدَاءً لِتَشَفِّي الصُّدُورِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَى تَفْصِيلِهِ فِي بَابِهِ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي وَرَثَةِ نَفْسِ الْمَقْتُولِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ عَلَى أَصْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُمَا مَوْرُوثَانِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَا فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا أَوَّلًا لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا يَقَعُ لِلْمَيِّتِ إلَّا بِأَنْ يُسْنِدَ الْوُجُوبَ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ، فَكَانَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فِي ثُبُوتِهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ انْتَهَى، أَقُولُ: قَدْ زَادَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>