للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الْأَيَّامِ أَوْ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ، وَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ، وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا غَيْرُ الْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَمْدٌ وَالْأَوَّلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَيَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةٌ فَرُدَّ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ. .

قَالَ: (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَا: لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سِتْرًا عَلَيْهِ.

كَانَ قَوْلُهُمَا فَهُوَ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْكُلِّ فَتَأْوِيلُهُ أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ جَارِحَةً انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ: الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الضَّرْبِ بِشَيْءٍ جَارِحٍ وَلَكِنَّ الضَّرْبَ بِهِ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْقَوَدُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ مُتَعَمِّدًا؟ قُلْنَا: لَمَّا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ فَقَدْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَ غَيْرِهِ فَأَصَابَهُ. وَقَالُوا: كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.

وَأَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَمْدًا نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى.

وَأَنَا أَقُولُ: نَعَمْ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ السُّؤَالُ بَعْدَمَا قَيَّدَ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَمْدًا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ هَاهُنَا وَجْهٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا صَرَّحَ الشُّهُودُ بِكَوْنِ ضَرَبَهُ عَمْدًا لَا فِيمَا إذَا أَطْلَقُوا ضَرْبَهُ وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِكَوْنِهِ عَمْدًا فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ عَنْهُ شُرَّاحُ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَصْرِيحَ الشُّهُودِ بِذِكْرِ الْعَمْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ بَلْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ الْمَزْبُورِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا غَيْرُ الْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَمْدٌ وَالْأَوَّلَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَيَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا) أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَالْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرُ الْقَتْلِ بِآلَةٍ كَمَا قَالَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَكَانَ أَجْمَلَ وَأَشْمَلَ.

أَمَّا كَوْنُهُ أَجْمَلَ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَشْمَلَ فَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الِاخْتِلَافِ فِيمَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَحْكَامِ كَالْعَصَا وَالسِّلَاحِ، بَلْ يَعُمُّ الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمْدٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ: قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ بِرُمْحٍ كَانَتْ شَهَادَتُهَا أَيْضًا بَاطِلَةً، نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ أَوْ وَقْتِهِ أَوْ مَوَاضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سِتْرًا عَلَيْهِ) فِيهِ صَنْعَةُ التَّجْنِيسِ التَّامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ فَالْإِجْمَالُ الْأَوَّلُ هَاهُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>