للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقَوْلِهِ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَعَنْ عُمَرَ : ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا. وَلَهُمَا قَوْلُهُ «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فَيُعَارَضُ بِهِ. قَالَ (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ

الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ دَلَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْبَيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ كُلِّهَا.

قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا يُقَالُ: إنَّ السُّكُوتَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ قُلْتُمْ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ثَمَّةَ وُجِدَ بَيَانٌ بِنَصٍّ آخَرَ؛ أَوْ نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: وَجَدْت رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ جَوَابَيْهِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ التَّشَبُّثَ بِوُجُودِ نَصٍّ آخَرَ فِي مَادَّةِ النَّقْضِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُصَيِّرٌ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْوَجْهُ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ السُّؤَالِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَدْرَكًا. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ اللَّازِمَ لِلْمُجِيبِ دَفْعُ النَّقْضِ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوَرِّدُ لِلسُّؤَالِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ لِلْمُصَيَّرِ إلَيْهِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ: أَيْ لِكَوْنِ الصِّيَامِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا الصِّيَامُ وَحْدَهُ.

وَأَمَّا إطْلَاقُ الْكُلِّ عَلَى الصِّيَامِ لِكَوْنِهِ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْكُلُّ فَأَمْرٌ قَبِيحٌ لَا يُنَاسِبُ شَرْحَ الْكِتَابِ. فَالْحَقُّ فِي التَّفْسِيرِ أَنْ يُقَالَ: أَيْ وَلِكَوْنِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْرِيرِ وَالصِّيَامِ كُلَّ الْمَذْكُورِ

(قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>