لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ ﵁ قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ. .
قَالَ: (وَفِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ يُفَوِّتَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ. قَالَ (وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ) لِمَا قُلْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا يُحْلَقُ شَعْرُ الرَّأْسِ كُلُّهُ، وَاللِّحْيَةُ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَصَارَ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ. وَلَنَا أَنَّ اللِّحْيَةَ فِي وَقْتِهَا جَمَالٌ وَفِي حَلْقِهَا تَفْوِيتُهُ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ، وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ جَمَالٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَدِمَهُ خِلْقَةً يَتَكَلَّفُ فِي سَتْرِهِ، بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ جَمَالٌ. وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الْقِيمَةِ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَبْدِ الْمَنْفَعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْجَمَالِ بِخِلَافِ الْحُرِّ. .
قَالَ: (وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ هُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا.
(وَلِحْيَةُ الْكَوْسَجِ إنْ كَانَ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَا شَيْءَ فِي حَلْقِهِ) لِأَنَّ وُجُودَهُ يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ (وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ، فَإِنْ نَبَتَتْ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ، وَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ يَزِيدُ جَمَالًا، وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ قِيمَتُهُ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ،.
مَا يُتَهَجَّى بِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ؟ قُلْت: قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ إطْلَاقُ الْحُرُوفِ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مُسَامَحَةً اسْتِعْمَالًا لِلْحَرْفِ فِي مَعْنَى الْكَلِمَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الْكَشَّافِ هُنَاكَ وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا، بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا جَارٍ عَلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ الشَّائِعِ فِيمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ لَهَا حُرُوفُ التَّهَجِّي.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُرِيدُوا بِالْحُرُوفِ هَاهُنَا الْحُرُوفَ الْمَبْسُوطَةَ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْكَلِمُ وَلَمْ يُخْرِجُوا الْأَلِفَ مِنْ عِدَادِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ؟ قُلْت: لَعَلَّ سِرَّ ذَلِكَ أَنَّ الْفَائِتَ مِنْ الْحُرُوفِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالِامْتِحَانِ، وَالِامْتِحَانُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ بِحُرُوفِ التَّهَجِّي كَمَا وَقَعَ بِهَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ ﵁، وَهِيَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِ رَجُلٍ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ ﵁ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ أب ت ث فَكُلَّمَا قَرَأَ حَرْفًا أَسْقَطَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يَقْرَأْ أَوْجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُوحِ وَغَيْرِهَا، فَجَرُوا هَاهُنَا فِي الْعِبَارَةِ وَالْإِرَادَةِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ تَقِفْ
. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ) أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُنَافِي سِيَاقَ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ قَسَمَ لِحْيَةَ الْكَوْسَجِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَجَعَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُتَّصِلًا؛ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute