للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ

قَالَ (الشِّجَاجُ عَشْرَةٌ: الْحَارِصَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ: أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ (وَالدَّامِعَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ

ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ، وَاثْنَتَا عَشَرَةَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقَ وَثَلَاثٌ أَسْفَلَ، وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ تُسَمَّى ضِرْسُ الْحِلْمِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ، إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ: الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِي هَذَا النَّظَرِ مُبَالَغَةٌ مَرْدُودَةٌ حَيْثُ قِيلَ فِي أَوَّلِهِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطَأٌ، وَقِيلَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ تَصْحِيحَهُ عَلَى طَرَفِ التَّمَامِ فَإِنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَدْ ذُكِرَتْ مِزْيَتُهُ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ، وَيَعُودُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنْ يُقَالَ: الْأَضْرَاسُ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَسْنَانِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ إذَا عَطَفَ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ يُرَادُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَا عَدَا الْمَعْطُوفِ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ.

ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُقَالَ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ مُعَارَضٌ بِمِثْلِ مَا أَوْرَدَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْأَضْرَاسَ تَعُمُّ الْأَنْيَابَ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمَغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: الْأَضْرَاسُ مَا سِوَى الثَّنَايَا مِنْ الْأَسْنَانِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَيَعُودُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ إلَى أَنْ يُقَالَ: وَبَعْضُ الْأَضْرَاسِ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِمِثْلِ مَا ذُكِرَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ ذَاكَ صَوَابًا دُونَ مَا فِي الْكِتَابِ.

نَعَمْ الْأَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ، أَوْ أَنْ يُقَالَ: وَالْأَضْرَاسُ وَالثَّنَايَا كُلُّهَا سَوَاءٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ.

(فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ).

لَمَّا كَانَ الشِّجَاجُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَتَكَاثَرَتْ مَسَائِلُهُ اسْمًا وَحُكْمًا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قُلْت: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْبَابِ بَدَلَ لَفْظِ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ ذَكَرَ الشِّجَاجَ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي فَصْلٍ وَذَكَرَ سَائِرَ أَنْوَاعِهِ الَّتِي سَتَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي فَصْلٍ آخَرَ أَيْضًا لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْفَقَ لِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي نَظَائِرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ كَالدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تَسِيلُ الدَّمَ) أَقُولُ: تَفْسِيرُ الدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ مِنْ الشِّجَاجِ بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْفِقْهِ كَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ وَاقْتِضَاءِ تَرْتِيبِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَدَّمَ الدَّامِعَةَ عَلَى الدَّامِيَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدَّامِعَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَقَبْلَهَا الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالدَّامِعَةُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>