للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَادَةً لَا يَضْمَنُ (وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ فَسَقَطَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ) لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ. وَقِيلَ: هَذَا إذَا رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَوْضِعًا لِلْمُرُورِ لَا أَثَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ، فَإِذَا تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَى مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّاشِّ شَيْءٌ، وَإِنْ رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْمُرُورِ؛ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ فِي أَخْذِهَا جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ (وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ

عَلَى الْآمِرِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْآمِرِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ الْفِقْهَ يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ كَوْنِ الضَّمَانِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا كَانَ السُّقُوطُ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْآمِرِ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الْفَعَلَةَ كَانُوا فِيهِ مَغْرُورِينَ بِقَوْلِ الْآمِرِ: إنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي حَقُّ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ الْقَدِيمِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْغُرُورِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ كَمَا تَرَى. ثُمَّ أَقُولُ: تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَتَعْلِيلُهَا لَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَنْقُولِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَأْبَاهُ جِدًّا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا السُّقُوطُ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ، وَالْآخَرُ السُّقُوطُ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ، وَجَعَلَ حُكْمَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْآخَرِ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ: إنَّ التَّلَفَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ، وَإِنَّ فِعْلَهُمْ انْقَلَبَ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ، وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يُتَسَلَّمْ فِعْلُهُمْ إلَى رَبِّ الدَّارِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ مُطْلَقًا: أَيْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا إذَا أَخْبَرَهُمْ الْآمِرُ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَمَّا انْقَلَبَ قَتْلًا وَصَارَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي عَقْدِ الْآمِرِ وَلَمْ يَتَسَلَّمْ إلَيْهِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ كَانَ إخْبَارُهُ لَهُمْ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي ذَلِكَ، وَعَدَمُ إخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ سَيَتَبَيَّنُ قَطْعًا، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَتِمَّ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لِرُجُوعِهِمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ فِعْلَهُمْ لَمَّا انْقَلَبَ قَتْلًا فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ صَارَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ الْآمِرِ خَارِجًا عَنْ عَقْدِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ الْآمِرِ، فَمَا كَانَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ بِأَمْرِهِ بَلْ كَانَ بِفِعْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ لَا يَتِمُّ تَنْظِيرُهُمْ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَذْبَحَ شَاةً لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعُ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، فَإِنْ فَعَلَ الذَّابِحُ هُنَاكَ لَمْ يَنْقَلِبْ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ بَلْ وَقَعَ عَلَى مَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا ضَمِنَ الذَّابِحُ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ بِحُكْمِ التَّغْرِيرِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا.

ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ هُنَا: لَا يُقَالُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْمَلُهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الْعَمَلَةِ وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُبَاشَرَةُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ بِالتَّسْبِيبِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إشْرَاعُ الْجَنَاحِ مُطْلَقًا مُبَاشَرَةٌ فَلِهَذَا شُبِّهَ بِذَبْحِ الشَّاةِ، وَسَيَجِيءُ مِنْ الشَّارِحِ أَيْضًا: يَعْنِي صَاحِبَ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ مُبَاشَرَةٌ لِلْقَتْلِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مُبَاشَرَةً لَهُ بَعْدَهُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشَرَةً مِنْ الْفَعَلَةِ أَوْ مِنْ الْآمِرِ، فَلَوْ كَانَ مُبَاشَرَةً مِنْ الْفَعَلَةِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ وَالْكَفَّارَةُ قَطْعًا كَمَا فِي السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بَلْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ رَبُّ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَ مُبَاشَرَةً مِنْ الْآمِرِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا مَحَالَةَ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالتَّشْبِيهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ إنَّمَا وَقَعَ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَا فِي صُورَةِ السُّقُوطِ بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي سَيَجِيءُ مِنْ الشَّارِحِ أَيْضًا لَا بُدَّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِ إشْرَاعِ الْجَنَاح مُبَاشَرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا كَوْنُ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مُبَاشَرَةً مُطْلَقًا لِفِعْلٍ مَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاشَرَةً لِلْقَتْلِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَبِمَعْزِلٍ عَمَّا فِيهِ الْكَلَامُ وَغَيْرِ مُفِيدٍ فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ فَسَقَطَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>