للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مُبَاحًا لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا بِالْحَدِيثِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ.

وَلَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُلْحَقَةٌ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فَجَعَلْنَا الْجُلُوسَ لِلْأَصْلِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْجُلُوسَ لِمَا يُلْحَقُ بِهِ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ وَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا وَطِئَ غَيْرَهُ وَالنَّوْمِ فِيهِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ جَلَسَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَأَمْرُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إنْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحْدَهُ. .

الِاخْتِلَافِ يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْمَشَايِخِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَمَا رَأَيْت. أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْمَشَايِخِ عَلَى ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا مَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الْآخَرَ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلِمَاتِ الْمَشَايِخِ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّ سِرَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا هُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّوَرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا قَبْلُ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ مَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَقَّ الْكَلَامِ لَاخْتَلَّ كَلَامُهُ كَاخْتِلَالِ كَلَامِ ذَلِكَ الشَّارِحِ فِي شَرْحِهِ كَمَا مَرَّ حَيْثُ يَلْزَمُ أَنْ يُدْرِجَ فِي اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ مَحَلَّ الْوِفَاقِ أَيْضًا فَقَالَ: وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بِالْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْعِبَادَةِ وَاخْتِيَارًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَةِ تَأَمَّلْ، فَإِنَّ هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَتَوْجِيهٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ مُبَاحًا إلَخْ).

أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ مُدَّعَاهُمَا فِي بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كَالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُرُورِ فِيهِ وَالْقُعُودِ فِيهِ لِحَدِيثٍ: فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ الذِّكْرِ وَلَا مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ الِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>