وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِالْمُتْلَفِ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَلِهَذَا وَجَبَ حَالًّا كَالْمُبْدَلِ (وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ لَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرَهُ) أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ. وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ، فَإِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ،
الَّتِي هِيَ الْجَمَاعَاتُ لَا تَعْقِلُ عَبْدًا كَمَا تَعْقِلُ حُرًّا، وَأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عَلَى الْحُرِّ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ: أَيْ الْجَمَاعَةُ بَلْ يَغْرَمُ مَوْلَاهُ جِنَايَتَهُ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ هُنَا وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ. وَمَعْنَاهُ وَالْمَوْلَى كَعَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ كَمَا يَسْتَنْصِرُ الْحُرُّ بِعَاقِلَتِهِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْعَاقِلَةِ عَوَاقِلَهُمْ فَكَذَا لَا يَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ اهـ.
فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوا هُنَا حَدِيثَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عَلَى الْحُرِّ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَتَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جُعِلَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِالْمُتْلَفِ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَلِهَذَا وَجَبَ حَالًّا كَالْمُبْدَلِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ: كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَالَ قَدْ يَقَعُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَتَّحِدْ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ وَإِذَا صَارَ مَالًا تَعَلَّقَ بِهِ، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ دُونَ الْأَصْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأُجِيبَ أَنَّ الْفِدَاءَ لَمَّا وَجَبَ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ أَشْبَهَ الدِّيَةَ وَالْأَرْشَ وَهُمَا يَثْبُتَانِ مُؤَجَّلًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَ الْفِدَاءِ كَذَلِكَ، وَلَمَّا اخْتَارَهُ الْمَوْلَى كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ كَذَلِكَ، أَيْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ حَالًّا، لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٍ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَتَعَارَضَ جَانِبُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلَ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُلُولِ بِكَوْنِهِ فَرْعَ أَصْلٍ حَالٍّ مُوَافَقَةً بَيْنَ الْأَصْلِ وَفَرْعِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشْعِرُ بِهِ اهـ.
أَقُولُ: بَلْ هُوَ كَلَامٌ قَبِيحٌ، لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَفَرْعِهِ إنْ كَانَتْ أَمْرًا لَازِمًا أَوْ رَاجِحًا يَرْتَفِعُ السُّؤَالُ عَنْ أَصْلِهِ، وَيَكْفِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ، وَيَصِيرُ بَاقِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ مُسْتَدْرَكًا جِدًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَمْرًا لَازِمًا وَلَا رَاجِحًا فَكَيْفَ يَتِمُّ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْحُلُولِ بِكَوْنِهِ فَرْعَ أَصْلٍ حَالٍّ.
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ تَغَيَّرَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ صَالِحٍ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِهِ، وَالتُّرَابُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ بِطَبْعِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إلْحَاقِ النِّيَّةِ بِهِ لِيَكُونَ مُطَهِّرًا شَرْعًا، بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ يَمْنَعُهُ عَنْ الْحُلُولِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ أَصْلِهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ اهـ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ كَانَ حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ فِي الْحُكْمِ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْأَصْلِ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ هُوَ كَوْنُهُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةً عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ نَفْسُهَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ، لَا كَوْنُهُ عِبَارَةً عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَتْ نَفْسُهَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ، وَالْمَطْلُوبُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَتَأَمَّلْ تَفْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ سِيَّمَا فِي الْحَصْرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute