وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ.
بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَزْلُ عِنْدَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيَصِحُّ الْعَزْلُ سَوَاءٌ رَضِيَ بِهِ الطَّالِبُ أَوْ لَا، وَهَذِهِ الْقُيُودُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ صَرِيحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ حَالَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الطَّالِبِ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَزْلُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ غَائِبًا لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالْعَزْلِ يُبْطِلُ حَقَّ نَفْسِهِ، لِأَنَّ خُصُومَةَ الْوَكِيلِ حَقُّ الطَّالِبِ وَإِبْطَالُ الْإِنْسَانِ حَقَّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى حَضْرَةِ غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الْمَطْلُوبِ، وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ أَحَدٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَزْلُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالْتِمَاسِ أَحَدٍ إمَّا الطَّالِبَ وَإِمَّا الْقَاضِيَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ صَحَّ عَزْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ غَيْرُ نَافِذَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لَهَا قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْعَزْلُ رُجُوعًا وَامْتِنَاعًا فَيَصِحُّ. وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي شَرَطَتْ عِلْمَ الْوَكِيلِ لِصَيْرُورَتِهِ وَكِيلًا. وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ حَاضِرًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ أَوْ كَانَ غَائِبًا وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ وَلَمْ يَرُدَّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْتِمَاسٍ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ وَيَصِحُّ حَالَ حَضْرَتِهِ رَضِيَ بِهِ الطَّالِبُ أَوْ سَخِطَ؛ لِأَنَّ بِالتَّوْكِيلِ ثَبَتَ نَوْعُ حَقٍّ لِلطَّالِبِ قَبْلَ الْوَكِيلِ وَهُوَ حَقُّ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَيُخَاصِمَهُ وَيُثْبِتَ حَقَّهُ عَلَيْهِ. وَبِالْعَزْلِ حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ لَوْ صَحَّ الْعَزْلُ يَبْطُلُ هَذَا الْحَقُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ وَالْمَطْلُوبُ رُبَّمَا يَغِيبُ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ أَيْضًا فَيَبْطُلُ حَقُّهُ أَصْلًا.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا فَحَقُّهُ لَا يَبْطُلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ يُمْكِنُهُ مَعَ الْمَطْلُوبِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُطَالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَنْ يَنْصِبَ وَكِيلًا آخَرَ إلَى هُنَا لَفْظُ الذَّخِيرَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ إنْ كَانَ لِلطَّالِبِ فَعَزْلُهُ صَحِيحٌ حَضَرَ الْمَطْلُوبُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالْعَزْلِ يَبْطُلُ حَقُّهُ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا. وَإِنْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِثْلُ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فَأَمَّا إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لِلْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْعَزْلُ امْتِنَاعًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَرُدَّهَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْبَةِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ بِالتَّوْكِيلِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ إحْضَارِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَبِالْعَزْلِ حَالَ غَيْبَتِهِ يَبْطُلُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مُسْتَثْنًى، وَصَحَّ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَيُمْكِنُهُ طَلَبُ نَصْبِ وَكِيلٍ آخَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ يَلُوحُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَاهُنَا لَا إبْطَالَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. كَلَامُهُ.
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَعُمُّهُ، وَعَزْلُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَثَلًا لِعُمُومِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَصْرَ إضَافِيٌّ: أَيْ لَا عَزْلَ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ اهـ.
أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ يَعُمُّ عَزْلَ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا سِيَّمَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتِمُّ التَّوْجِيهُ بِحَمْلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِضَافِيِّ بِمَعْنَى لَا عَزْلَ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ.
ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ الصَّرِيحُ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ يَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيمِ وَالتَّفْصِيلِ، وَقَدْ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةً وَاحِدَةً وَهِيَ عَزْلُ مَنْ كَانَ وَكِيلًا لِلْمَطْلُوبِ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهَا مِنْ الصُّوَرِ تَحْتَ عُمُومِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِلَا رَيْبٍ، وَيَمْشِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ، فَمَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ مِنْ كَوْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا مَقْصُورًا عَلَى صُورَةِ عَزْلِ وَكِيلِ الطَّالِبِ، وَكَوْنِ بَعْضِ صُوَرِ عَزْلِ الْوَكِيلِ الْمَطْلُوبِ غَيْرَ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ أَصْلًا سَهْوٌ بَيِّنٌ (وَصَارَ) أَيْ صَارَ التَّوْكِيلُ الَّذِي كَانَ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ (كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ) أَيْ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ بِأَنْ وَضَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute