للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الْأُولَى الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ عِوَضٌ عَمَّا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَهْسَةِ حَيَّةٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا صَغِيرًا لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، فَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ حُرًّا رَقَبَةً وَيَدًا أَوْلَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَكِنْ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَهَذَا إتْلَافٌ تَسْبِيبًا لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّوَاعِقَ وَالْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان، فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَقَدْ

الْقِيمَةِ لَا بِكُلِّهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى الْمَوْلَى بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَثُلُثُهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قَدْ تَعَلَّقَ بِكُلِّ الْقِيمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ يَكُونُ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ نِصْفَ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَضَارَبَا فِي الْقِيمَةِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا فِيهَا، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ إذَا تَوَالَتْ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَاتِ يَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِكُلِّ الْقِيمَةِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ نِصْفُهَا بِالتَّزَاحُمِ فَيَكُونُ حَقُّهُ الْبَاقِي لَهُ نِصْفُهَا، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ الْمَوْلَى مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي كُلِّ الْقِيمَةِ كَوْنُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ نِصْفُهَا بِالتَّزَاحُمِ، فَلَمَّا انْدَفَعَ التَّزَاحُمُ بِوُصُولِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى إلَيْهِ بِتَمَامِهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي النِّصْفِ السَّاقِطِ بِالتَّزَاحُمِ إلَيْهِ كَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى.

ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ يَخْتَارَ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَيُقَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ: إنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ الْقِيمَةِ ثُمَّ يُنْتَقَصُ نِصْفُهَا بِتَزَاحُمِ الثَّانِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِالْكُلِّيَّةِ وَحَقُّ الثَّانِي أَيْضًا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا وَلَكِنْ يَسْقُطُ نِصْفُهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِتَزَاحُمِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَانْعَقَدَتْ سَبَبًا مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ الْقِيمَةِ، وَانْتِقَاصُ حَقِّهِ إنَّمَا كَانَ يُعَارِضُ حُدُوثَ الْمُزَاحَمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا وُجِدَتْ وَالْمُزَاحِمُ مُقَارِنٌ فَلَمْ تَنْعَقِدْ سَبَبًا مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ فَسَقَطَ مَا وَرَاءَ النِّصْفِ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَلَا يَعُودُ كَمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَمَرَّ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ الْكِتَابِ، هَذَا غَايَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ.

(قَوْلُهُ فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>