وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ، وَالْمَعْنَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي هَذَا تَنْسَحِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ.
(وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سِقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرُ حَالًّا (وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا (وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا لَا حَيًّا.
صَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَوْجِيهَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ عَلَى الْقِطْعَتَيْنِ يَتَكَرَّرَانِ فِي خَمْسِينَ نَفْسًا انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ أَيْمَانٍ يَقْسِمُ بِهَا خَمْسُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَكَذَا الدِّيَةُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ مَا وَجَبَ مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ دَمِ إنْسَانٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَحَقَّقَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَمْسِينَ نَفْسًا حَتَّى يَصِحَّ تَوْجِيهُ تَكَرُّرِ الْقَسَامَتَيْنِ وَالدِّيَتَيْنِ عَلَى الْقِطْعَتَيْنِ بِتَكَرُّرِهِمَا فِي خَمْسِينَ نَفْسًا، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ فِي آحَادِ خَمْسِينَ نَفْسًا بَعْضُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنْفُسِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِي إسْنَادِ التَّكَرُّرِ إلَى نَفْسِ الْقَسَامَتَيْنِ وَالدِّيَتَيْنِ فَلَا مَسَاغَ لِذَلِكَ التَّوْجِيهِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي نِصْفَ الْقَتِيلِ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ مَثَلًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ، إذْ قَدْ صَرَّحَ فِيمَا قَبْلُ بِأَنَّهُ إنْ وَجَدَ نِصْفَهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْجُودِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِيمَا قَبْلُ فَانْتَقَضَ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وَجَدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سَقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا الْأَدَاءِ فُتُورٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجَنِينَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِمْ جَنِينٌ وَحْدَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟ أَمَّا وُجُودُهُ مَعَ أُمِّهِ فَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ هُنَاكَ لِلْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ. وَالثَّانِي أَنَّ ذِكْرَ الْجَنِينِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السِّقْطِ، لِأَنَّ السِّقْطَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ الَّذِي سَقَطَ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَالْجَنِينُ يَعُمُّ تَامَّ الْخَلْقِ وَغَيْرَ تَامِّهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَالْخَنْقِ أَيْضًا كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ. فَالِاقْتِصَارُ هُنَا عَلَى نَفْيِ أَثَرِ الضَّرْبِ تَقْصِيرٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ وَلَدٌ صَغِيرٌ سَاقِطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا) فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةٌ عَدْلٌ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّتَهَا مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا تَعْظِيمٌ كَتَعْظِيمِ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ، بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ، فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute