قَالَ (وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى أَلَا تَرَى «أَنَّهُ ﵊ جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ». وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ ﵊ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ. قَالَ (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُجْعَلُ جَانِبًا مُقَصِّرًا، وَالْوِلَايَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ، وَقِيلَ: أَبُو حَنِيفَةَ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ بِالْكُوفَةِ. قَالَ (وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَوْ خَلَصَتْ لَهُمْ
تَرَى مَعَ تَطْوِيلِهِ لَمْ يَرُدَّ السُّؤَالَ وَرُبَّمَا قَوَّاهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُهَا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، فَإِنَّ حَاصِلَ جَوَابِهِمْ مَنْعُ عَدَمِ كَوْنِ الظَّاهِرِ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ النُّفُوسِ وَصِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ. وَعَنْ هَذَا قَالُوا: يَجِبُ الدِّيَةُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُهَا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَا لَزِمَ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ الظَّاهِرِ حُجَّةً فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُهَا إهْدَارُ أَمْرٍ حَقِيرٍ، وَمَا لَزِمَ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ حُجَّةً فِي النُّفُوسِ إهْدَارُ أَمْرٍ خَطِيرٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إهْدَارَ الْحَقِيرِ أَهْوَنُ وَأَوْلَى مِنْ إهْدَارِ الْخَطِيرِ.
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هُنَا اُعْتُبِرَ دَافِعًا لِمَا عَسَى يَدَّعِي الْقَاتِلُ عَدَمَ حَيَاتِهِ. وَأَمَّا دَلِيلُ الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ، قُومُوا فَدُوهُ» انْتَهَى. أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَدِيثَ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَرَدَ فِي جَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَمُوجَبُهُ الْغُرَّةُ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute