وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي تَصِيرُ لَهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ، وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ، وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ، وَفِي الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ، وَفِي الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ.
بَيْنَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى رِوَايَةٍ وَهَذَا عَلَى أُخْرَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَإِنْ وُجِدَ الْقَتْلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَاهُنَا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأُخْرَى مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ فِيهَا عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ لَا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ جَمِيعًا، وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ جَمِيعًا فَتَغَايَرَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ صَرِيحٌ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا قَبْلُ، حَيْثُ كَانَ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَوْمُهُ حُضُورًا وَوُجُوبُهَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَحْدِهِ فِيمَا إذَا كَانُوا غُيَّبًا، وَالْمَصِيرُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ خِلَافُ مَدْلُولِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرَاحَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ شَرْحًا لِمُرَادِهِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ الْحَصْرَ بِمَعْنَى أَنَّ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ لَا بِغَيْرِهِ، وَيُنْتَقَضُ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ السُّكَّانَ يَدْخُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ مَعْنَى الْحَصْرِ لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ) أَقُولُ: هَذَا التَّنْوِيرُ غَيْرُ وَاضِحٍ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْيَدِ الْيَدَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ يَدَ أَصَالَةٍ أَوْ يَدَ نِيَابَةٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَنَحْوِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ نِيَابَةٍ لَا يَدَ أَصَالَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، فَلَوْ أَمْكَنَ الِاقْتِدَارُ عَلَى الْحِفْظِ بِيَدِ النِّيَابَةِ أَيْضًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَدَ الْأَصَالَةِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَالْخَصْمُ وَهُوَ صَاحِبَاهُ لَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِيَدِ الْأَصَالَةِ فَقَطْ بِدُونِ الْمِلْكِ، وَلَا أَنَّهُ لَا يَقْتَدِرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ بِدُونِ تِلْكَ الْيَدِ، بَلْ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْحِفْظِ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْمُتَنَازَعِ فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا التَّنْوِيرِ لَيْسَ بِأَجْلَى مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute