الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أُخِذَ مِنْ رِزْقِ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِحِصَّةِ الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، إمَّا لِأَنَّ الْأَعْطِيَةَ أَكْثَرُ، أَوْ لِأَنَّ الرِّزْقَ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ فَيَتَعَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ وَالْأَعْطِيَاتُ لِيَكُونُوا فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ (وَأُدْخِلَ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فِي النَّفْيِ عَنْهُ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ مَعْذُورًا.
بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِلْإِنْسَانِ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ يُفْرَضُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ كُلَّ سَنَةٍ لَا بِالْحَاجَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْعَطَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ لَا يُلَائِمُ مَسْأَلَةً مَرَّتْ فِيمَا قَبْلُ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَاتِلِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا جَوَازُ أَنْ يُفْرَضَ لِرَجُلٍ عَطَاءٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَتَخْرُجُ لَهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ عَطَايَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَزْبُورِ أَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً. نَعَمْ يُلَائِمُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَبِيلُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي التَّوْفِيقِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لِلْعَطَاءِ عَلَى مَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ وُقُوعًا، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي الْمُتَعَارَفِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ، وَالْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِيَكُونُوا قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: الْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ وَأَعْطِيَاتٌ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ قَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمُغْرِبِ: أَحَدُهُمَا مَوْضِعُ بَيَانِ الرِّزْقِ، وَالثَّانِي مَوْضِعُ بَيَانِ الْعَطَاءِ، فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ: الرِّزْقُ مَا يُخْرَجُ لِلْجُنْدِيِّ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، وَقِيلَ يَوْمًا بِيَوْمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: الْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقُ لِلْفُقَرَاءِ. وَقَالَ فِي الثَّانِي: الْعَطَاءُ اسْمُ مَا يُعْطَى وَالْجَمْعُ أَعْطِيَةٌ وَأَعْطِيَاتٌ، وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ فَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطَاءَ مَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السُّنَّةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ كُلَّ شَهْرٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ فِي الْعَاقِلَةِ. الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ عَطَاءٍ وَكَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ جُعِلَتْ الدِّيَةُ فِي أَرْزَاقِهِمْ. وَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً انْتَهَى.
فَنَظَرُ صَاحِبِ الْغَايَةِ لَا يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ قَطُّ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطَاءَ مَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ كُلَّ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا نَقَلَهُ مَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقَ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً، وَهُوَ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ، فَنِسْبَةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ إلَى صَاحِبِ الْمُغْرِبِ نَفْسِهِ وَإِيرَادُ النَّظَرِ عَلَيْهِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، وَالْعَجَبُ هَاهُنَا مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ خَصَّ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَا ذَكَرُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَطِيَّةِ وَالرِّزْقِ ذَلِكَ الْقَوْلَ الَّذِي رَدَّهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا يَدْفَعُهُ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْآتِيَةَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ يَأْبَى ذَلِكَ الْقَوْلَ جِدًّا.
(قَوْلُهُ وَأُدْخِلَ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا يَكُونُ كَأَحَدِ الْعَوَاقِلِ فِي أَدَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فِي الدِّيوَانِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عِنْدَنَا أَيْضًا لِأَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَعْطِيَاتِ وَقَالَ وَهُوَ هَكَذَا مَنْصُوصٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي تَقْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْوَجْهِ الْمَزْبُورِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: هَذَا مُشْكِلٌ عِنْدِي، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute