بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ، لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُمْ، وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذَا أُلْحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَادِيَةِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْعَطَاءِ حَيْثُ تَصِيرُ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَضَى بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَضَى بِهَا فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَعْطِيَاتُهُمْ أَمْوَالُهُمْ، غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ أَدَاءً، وَالْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمَ فَحِينَئِذٍ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ يُقْضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ.
قَالَ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِمْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ ﵊ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ».
قَالَ (وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّهُ وَلَاءٌ يُتَنَاصَرُ بِهِ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ.
قَالَ (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ
الْقَاتِلِ الْمَعْذُورِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ إلَخْ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَمَعْنَاهُ لَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إذَا كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَيْضًا نَقْلَ الدِّيَةِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْقَضَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ حُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: مُقَدِّمَتُهُمْ الْقَائِلَةُ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَيْضًا نَقْلَ الدِّيَةِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْقَضَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَدْرَكَةً فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمَقَامِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِهَا، إذْ لَيْسَ فِيمَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ نَقْلُ الدِّيَةِ مِنْ أَحَدٍ إلَى أَحَدٍ قَطُّ، بَلْ إنَّمَا فِيهِ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكْثِيرَ يُغَايِرُ النَّقْلَ بَلْ يُنَافِيهِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ: إنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الضَّمِّ تَقْرِيرُ حُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُقَدِّمَةُ الْكَاذِبَةُ مُعْتَبَرَةً فِي مَعْنَى الْمَقَامِ لَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إنَّ أَمْرَ النَّقْلِ فِي صُورَةِ الْقِلَّةِ كَذَا وَفِي صُورَةِ التَّحَوُّلِ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَذَا تَأَمَّلْ تَقِفْ.
(قَوْلُهُ قَالَ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute