للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَيِّتِ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ، وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَانَ لِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ كُلُّ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ.

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ وَاكْتَسَبَ مَالًا اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا لِمَا بَيَّنَّا. .

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُودَهُ قَبْلَ

وَانْدَفَعَ بِقَوْلِهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ مَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ لِلْبَاقِي نِصْفَ الثُّلُثِ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُمَا حَالَ الْمِلْكِ، ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَمَوْتِ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ اهـ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ هُنَا قُصُورٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ أَضَافَ انْدِفَاعَ الْإِشْكَالِ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ مَعَ أَنَّ انْدِفَاعَهُ بِمَجْمُوعِ التَّعْلِيلِ بَلْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ مُتَفَرِّعٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَة بَيْنَهُمَا حَالَ الْمِلْكِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُزَاحَمَةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ هُوَ الْمُزَاحَمَةُ حَالَ الْمِلْكِ وَهِيَ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ لَا كُلُّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا التَّزَاحُمُ، وَإِنَّ التَّزَاحُمَ فِيهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَالِ إيجَابِ الْمُوصِي لَا فِي حَالِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا فِي حَالِ الْمِلْكِ وَلَا تَزَاحُمَ لِلْمَيِّتِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ عِلْمِ الْمُوصِي بِحَيَاتِهِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَيِّ مِنْهُمَا لِجَمِيعِ الثُّلُثِ بِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ إيجَابِ الْمُوصِي، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ اهـ.

وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ انْدِفَاعِ الْإِشْكَالِ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى أَيْضًا بِعِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَهِيَ أَيْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّ لِلْبَاقِي نِصْفَ الثُّلُثِ هُنَاكَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ يُفِيدُ انْدِفَاعَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَالتَّقْرِيرُ الظَّاهِرُ الْوَاسِعُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مَا أَفَادَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا لَوْ أَوْرَدُوا شُبْهَةً عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ قَالُوا مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْبَاقِي نِصْفُ الثُّلُثِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لِلْبَاقِي نِصْفُ الثُّلُثِ، وَلَكِنْ هُنَا كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمُوصِي

<<  <  ج: ص:  >  >>