بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ.
وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْمَنْقُولِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
قَضَاءٌ عَلَى الْمُسَخَّرِ اهـ (بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ) فَلَا مَجَالَ لِلْمُوَاضَعَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى تَقْدِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُطَالَبَةِ فَتَأَمَّلْ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَكَانَ مَعْنَاهُ الْمُطَالَبُ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ اهـ كَلَامُهُ.
أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ إيرَادِهِ وَجَوَابِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا سُقُوطُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي طَلَبِهِ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى حَقِّهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ضَمِيرُ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُدَّعِي؛ فَالْمَعْنَى الْمُطَالَبَةُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُدَّعِي حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْقَاضِي إعَانَتُهُ فَلَا مُسَامَحَةَ أَصْلًا. وَأَمَّا سُقُوطُ الثَّانِي فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مِنْ طَالَبَهُ بِكَذَا فَالْمُطَالَبُ الْمَفْعُولُ هَاهُنَا هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْبَاءُ هُوَ الْمُدَّعِي، فَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُطَالَبُ حَقُّ الْمُدَّعِي صَارَ الْمَعْنَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَلَا خَفَاءَ فِي فَسَادِهِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُدَّعَى أَيْضًا لَيْسَ بِحَقِّ الْمُدَّعِي أَلْبَتَّةَ، بَلْ إنْ ثَبَتَ دَعْوَى الْمُدَّعِي يَكُونُ الْمُدَّعَى حَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا، فَفِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مِنْ أَيْنَ ثَبَتَ أَنَّهُ حَقُّهُ حَتَّى يَتِمَّ أَنْ يُقَالَ هُوَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حَقُّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى زَعْمِهِ، لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى تَقْدِيرِ قَيْدٍ عَلَى زَعْمِهِ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ شَأْنَ الْمُصَنِّفِ بِمَعْزِلٍ عَنْ مِثْلِ هَذَا التَّعَسُّفِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ اسْمَ مَفْعُولٍ وَالتَّأْنِيثُ بِتَأْوِيلِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا اهـ.
أَقُولُ: هَذَا بَعِيدٌ عَنْ الْحَقِّ، وَأَبْعَدُ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي جَوَابِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُقُوطِ جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ عَنْ كُلِّ مَطْلُوبٍ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَطْلُوبٍ مُذَكَّرٌ بِمُؤَنَّثٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، بِخِلَافِ مَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ (وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْمُدَّعَى (مَرْهُونًا فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ) فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ (وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ) إذْ لَوْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ لَمَا طَالَبَ بِالِانْتِزَاعِ مِنْ ذِي الْيَدِ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ الثَّمَنِ (وَعَنْ هَذَا) أَيْ بِسَبَبِ هَذَا الِاحْتِمَالِ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (فِي الْمَنْقُولِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ (يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي أَدَّعِيهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute