لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ غَلَّظَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: قُلْ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ: لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ.
قَالَ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.
وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بِالْوَاوَاتِ صَارَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ غَلَّظَ) فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا (وَإِنْ شَاءَ) الْقَاضِي (لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: قُلْ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ النُّكُولُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ شَتَّى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ بِدُونِ التَّغْلِيظِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي (وَقِيلَ: لَا يُغَلَّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ) إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِدُونِ التَّغْلِيظِ (وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ) لِكَوْنِ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ (وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ) لِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي الْقِيلِ الْأَوَّلِ
. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ (لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَبَعْضُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ: التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَأَجَازَهُ الْبَعْضُ، فَيُفْتَى بِأَنَّهُ يَجُوزُ إنْ مَسَّتْهُ الضَّرُورَةُ، وَإِذَا بَالَغَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَتْوَى يُفْتِي بِأَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي انْتَهَى.
وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ: وَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا انْتَهَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ: التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَا يُجَوِّزُهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يُفْتَى بِأَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي، فَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ وَقَضَى بِالْمَالِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عِنْدَ إلْحَاحِ الْخَصْمِ، وَأَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِ ذَلِكَ إنْ مَسَّتْهُ الضَّرُورَةُ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ عَنْهُ، وَإِنْ قَضَى بِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بِهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قَضَى بِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ انْتَهَى.
لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ عَمَّا ذُكِرَ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّحْلِيفُ بِهِ، أَلَّا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي بَيَانِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ الْعَدِيدَةِ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَلَا يَسْتَحْلِفُ فِيهَا حَيْثُ جَعَلُوا عَدَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute