وَكَذَا إذَا قَالَ: آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ. قُلْنَا: مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَإِقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ
أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَكَذَا إذَا قَالَ: آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: آجَرَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي أَيْضًا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّهُ عَارِيَّةٌ عِنْدِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ انْتَهَى (لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتَهُ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ) تَعْلِيلٌ لِمَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتَهُ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الدَّلِيلِ: فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ ذُو الْيَدِ إقْرَارَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالشَّرْطُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْمِلْكِ، حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ وَبِالْعَكْسِ تَنْدَفِعُ انْتَهَى (وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ) أَيْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ (لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ: يَعْنِي أَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتَهُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ بِدُونِ خَصْمٍ عَنْهُ مُتَعَذَّرٌ، إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ فِي إدْخَالِ الشَّيْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا رِضَاهُ (وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَعَذَّرِ مُتَعَذَّرٌ.
(قُلْنَا) أَيْ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ (مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ): أَحَدُهُمَا (ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَ) ثَانِيهِمَا (دَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ) أَيْ فَيَثْبُتُ دَفْعُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّهِ، وَبِنَاءُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ) أَيْ إلَى زَوْجِهَا (وَإِقَامَتُهَا) عُطِفَ عَلَى الْوَكِيلِ أَيْ وَإِقَامَةُ الْمَرْأَةِ (الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ) يَعْنِي أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِنَقْلِ امْرَأَتِهِ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute