للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَ فَهُوَ ابْنٌ لِلْبَائِعِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ قَوْلُ زُفَرٍ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ دَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَكَانَ فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا وَلَا نَسَبَ بِدُونِ الدَّعْوَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا. وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ (وَيُرَدُّ الثَّمَنُ) لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ

عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَمَّا إنْ ادَّعَى ذَلِكَ الْوَلَدَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَ) وَقَدْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَحْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُ الْبَائِعِ وَأُمُّهُ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (أُمُّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ دَعْوَتُهُ) أَيْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ (بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ (عَبْدٌ وَكَانَ) أَيْ الْبَائِعُ (فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا) وَالتَّنَاقُضُ يُبْطِلُ الدَّعْوَى فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ كُنْت: أَعْتَقْتُهَا أَوْ أَدْبَرْتُهَا قَبْلَ أَنْ أَبِيعَهَا (وَلَا نَسَبَ بِدُونِ الدَّعْوَى) أَيْ وَلَا ثُبُوتَ لِلنَّسَبِ بِدُونِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) أَيْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي نَعْمَلُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ) يَعْنِي أَنَّا تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَهَذَا شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا) فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدِهَا (وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ التَّنَاقُضِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْلَمُ ابْتِدَاءً بِكَوْنِ الْعُلُوقِ مِنْهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مِنْهُ (فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى؛ كَمَا أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِنَفْيِ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّنَاقُضِ لِمَكَانِ الْخَفَاءِ فِي أَمْرِ الْعُلُوقِ، وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّنَاقُضُ لِخَفَاءِ الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِهِ، وَكَالْمُخْتَلِعَةِ إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّ بَيِّنَتَهَا تُقْبَلُ مَعَ التَّنَاقُضِ لِخَفَاءِ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ الزَّوْجُ بِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَائِعِ الْإِعْتَاقَ أَوْ التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ فِعْلُ نَفْسِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ، كَذَا حَقَّقُوا (وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَفُسِخَ الْبَيْعُ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ) أَيْ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا (لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَإِنَّ سَلَامَةَ الثَّمَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَلَامَةِ الْمَبِيعِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَالْمُشْتَرِي يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْرِيرُ، فَكَذَا دَعْوَتُهُ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ، وَتَثْبُتُ لَهَا أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ مِنْ الْبَائِعِ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا.

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: صِحَّةُ التَّحْرِيرِ مِنْ الْمُشْتَرِي ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مَمْلُوكَتُهُ فِي الْحَالِ فَيَمْلِكُ إعْتَاقَهَا وَإِعْتَاقَ وَلَدِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا.

وَأَمَّا صِحَّةُ دَعْوَتِهِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ فَمُشْكِلَةٌ بِمَا مَرَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ أَنَّا تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَهَذَا شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ حَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ كَيْفَ يُفِيدُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّهَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ إنَّمَا يَكُونُ شَهَادَةً ظَاهِرَةً عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ إذَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ فَلَا يَجُوزُ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>