للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَالَ: وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

بِتَسْمِيَةِ النَّوْعِ، وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْوَصْفِ فَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَمِيرُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ الْعُظَمَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ. قُلْنَا: هَذَا اخْتِلَافُ الْوَصْفِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ حَالِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ أَوْ الْوَالِيَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِشِرَاءِ حِمَارٍ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَرْكَبُ مِثْلَهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ الْفَالِيزِيُّ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي مَسْأَلَةِ التَّزَوُّجِ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ انْتَهَى.

فَقَدْ جُعِلَ الْحِمَارُ هُنَاكَ جِنْسًا وَهُنَا نَوْعًا وَالتَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هُنَاكَ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجِنْسِ مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ دُونَ مُصْطَلَحِ أَهْلِ الْمَنْطِقِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، إذْ قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِأَنَّ الْحِمَارَ نَوْعٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّوْعِ هَاهُنَا مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا لَلَزِمَ بَيَانُ ثَمَنِ الْحِمَارِ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ لُزُومِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْحِمَارُ جِنْسًا عَلَى مُصْطَلَحِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا

(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِدَفْعِ الدَّرَاهِمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ اشْتَرَى لِي طَعَامًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْمِقْدَارَ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.

وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ اسْتِحْسَانٌ (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ) أَيْ لِحَقِيقَةِ الطَّعَامِ (كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَيِّ طَعَامٍ كَانَ (إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ) بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ) أَيْ أَقْوَى وَأَرْجَحُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْحَقِيقَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْعُرْفِ (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا (إذَا ذُكِرَ) أَيْ الطَّعَامَ (مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْعُرْفَ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَبَائِعُ الطَّعَامِ فِي النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا دُونَ مَنْ يَبِيعُ الْفَوَاكِهَ فَصَارَ التَّقْيِيدُ الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشِرَاءِ الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>