بِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ، وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ.
فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَالْقَبْضُ مِنْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَلْيَقَ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ عَامٌّ لِبَابَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَامُّ لَهُمَا. وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا خَاصٌّ بِبَابِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي بَابِ السَّلَمِ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ لَا مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَالْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ لَيْسَ بِقَابِضِ الْبَدَلِ بَلْ هُوَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ الْعَاقِدُ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ فَكَانَ الدَّلِيلُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُدَّعِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا فَتَدَبَّرْ (بِخِلَافِ الرَّسُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ.
وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ إذَا قَبَضَ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخِلَافِ الرَّسُولَيْنِ: أَيْ الرَّسُولِ فِي بَابِ الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي السَّلَمِ: أَيْ مِنْ جَانِبِ رَسُولِ السَّلَمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْوَكَالَةُ مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرِّسَالَةُ مِنْ جَانِبِهِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ (لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ فِي الْعَقْدِ لِلْوَكِيلِ فِي الْعَقْدِ فِي بَابَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَرِسَالَةُ الرَّسُولِ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الرِّسَالَةِ فِيهِ هَذَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَوْضِيحِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ: وَإِلَّا لَكَانَ افْتِرَاقٌ بِلَا قَبْضٍ، وَفَصَّلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُرَادَهُ بِأَنْ قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَقَدَ الْمُرْسِلُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ وَفَارَقَ صَاحِبَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِلْإِرْسَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَا تَكُونَ الرِّسَالَةُ فِي الْقَبْضِ فَقَطْ، لَا أَنْ تَكُونَ فِي الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ مَعًا، وَبِدُونِ دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَيْضًا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ (وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ) أَيْ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُ الرَّسُولِ فِي الْعَقْدِ إلَى الْمُرْسِلِ (فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُ الرَّسُولِ فَلَمْ يَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِ. وَأَقُولُ: هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الرِّسَالَةَ فِي السَّلَمِ إنَّمَا تَجُوزُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ لَا مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَالْوَكَالَةِ فِيهِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، فَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ هُوَ الرَّسُولُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وَظِيفَةَ رَبِّ السَّلَمِ هِيَ الْعَقْدُ وَتَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ لَا قَبْضُهُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ عَقْدِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا الْقَبْضُ وَظِيفَةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِالنَّظَرِ إلَى الرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ ظَاهِرٌ عَلَى نُسْخَةِ، بِخِلَافِ الرَّسُولَيْنِ وَهِيَ نُسْخَةٌ أَطْبَقَ عَلَيْهَا الشُّرَّاحُ حَتَّى أَنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ شَرَحَا هَذِهِ النُّسْخَةَ وَلَمْ يَذْكُرَا النُّسْخَةَ الْأُخْرَى أَصْلًا، وَصَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ جَعَلَهَا أَصْلًا وَذَكَرَ الْأُخْرَى نُسْخَةً وَفَسَّرَ كُلُّهُمْ الرَّسُولَيْنِ بِالرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي السَّلَمِ.
وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ الرَّسُولَ عَامًّا لِلرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي السَّلَمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ حَيْثُ فَسَرُّوا الرَّسُولَ بِالرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي السَّلَمِ. وَكَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ الرَّسُولِ: أَيْ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute