للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ. قُلْنَا: هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ

كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ

(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَحْبِسَهُ) أَيْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَسَامَحَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْهُ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِلْوَكِيلِ فِي مَوْضِعِ نَقْدِ الثَّمَنِ لِأَجْلِ بَيْعٍ حُكْمِيٍّ انْعَقَدَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ النَّقْدِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قُلْت هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا؟ وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ فَقَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ فَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَ الْعَبْدِ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَدْفَعَهُ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ سَوَاءٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَكَذَا لِلْوَكِيلِ، وَهَذَا لَا يُفَصِّلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَا (وَقَالَ زَفَرٌ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ) أَيْ بِيَدِ الْوَكِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ بِدَلِيلِ أَنَّ هَلَاكَهُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ (فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ) أَيْ فَكَأَنَّ الْوَكِيلَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُوَكِّلِ (فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ) تَشْرِيحُهُ أَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا، فَلَوْ وَقَعَ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْحَبْسِ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ حُكْمًا (قُلْنَا) لَنَا طَرِيقَانِ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: مَدَارُ أَحَدِهِمَا تَسْلِيمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ. وَمَدَارُ الْآخَرِ مَنْعُ ذَلِكَ.

فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (هَذَا) أَيْ هَذَا الْقَبْضُ (مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ لَكِنَّ هَذَا الْقَبْضَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْحَبْسِ مَا لَمْ يَقْبِضْ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا، وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>