للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَهِيَ مشروعة للحاجة إليها، فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ غَنِيٍّ بِالْمَالِ غَبِيٍّ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَبَيْنِ مُهْتَدٍ فِي التَّصَرُّفِ صِفْرِ الْيَدِ عَنْهُ،

فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ

إِلَى شَرْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ لِيَنْتَظِمَ مَصْلَحَةُ الْغَبِيِّ وَالذَّكِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ. وَبُعِثَ النَّبِيُّ وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهُ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ وَتَعَامَلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ الْمَدْفُوعُ إِلَى الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ، وَهُوَ وَكِيلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، وَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لِتَمَلُّكِهِ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ بِعَمَلِهِ، فَإِذَا فَسَدَتْ ظَهَرَتِ الْإِجَارَةُ حَتَّى اسْتَوْجَبَ الْعَامِلُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَإِذَا خَالَفَ كَانَ غَاصِبًا لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ.

بِهِ قَطْعًا. لَا يُقَالُ: إِنَّ الْإِجَارَةَ وَالْغَصْبَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحَا أَنْ يُجْعَلَا حُكْمًا لِلْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةَ إِلَّا أَنَّهُمَا يَصْلُحَانِ أَنْ يُجْعَلَا حُكْمًا لِلْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ: فَمَنْ أَدْرَجَهُمَا فِي أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ يُرِيدُ بِأَحْكَامِهَا أَحْكَامَ مُطْلَقِ الْمُضَارِبَةَ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي قَرَائِنِهَا مِنْ رُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَغَيْرِهِمَا إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرَ، فَفِي أَحْكَامِهَا أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. وَلَئِنْ سَلَّمَ صِحَّةَ التَّعْمِيمِ لِلْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ فَالْغَصْبُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ بَلْ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِيمَا سَيَجِيءُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ مِثْلَ أَجْرِ عَمَلِهِ، وَلَا شَكَّ أَنْ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَجْرٌ قَطُّ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا مَجَالَ لِجَعْلِ الْغَصْبِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ فِي شَيْءٍ.

(قَوْلهُ: لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحَقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيهِ وَعَمَلِهِ). قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيهِ وَعَمَلِهِ حَتَّى لَوْ سَعَى وَعَمِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ: "بِسَعْيهِ وَعَمَلِهِ"، لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحَقُّ الرِّبْحَ بِسَبَبِ سَعْيِهِ، وَوَظِيفَةُ السَّبَبِ مُجَرَّدُ الْإِيصَالِ وَالْإِفْضَاءِ إِلَى الْمُسَبِّبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا التَّأْثِيرُ فِيهِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ وَظِيفَةُ الْعِلَّةِ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>